قطر-
جريدة الشرق-السبت ٨ ديسمبر ٢٠١٢ م، الموافق ٢٤ محرم ١٤٣٤ هـ-
غياب
الشفافية في التعامل مع الأخطاء الطبية
بين فترة وأخرى تتصاعد
الشكوى من الأخطاء الطبية التي تقع بمستشفى حمد العام، وتكثر الاتهامات الموجهة الى
الاطباء بالإهمال واللامبالاة، وفي الاتجاه نفسه يوجه الانتقاد الحاد في كثير من
الاحيان الى ادارة مؤسسة حمد الطبية، في عدم الجدية بمحاسبة المخطئين من الاطباء.
بداية لا يمكن حصر الاخطاء الطبية في قطر، او في مؤسسة حمد الطبية، وهو امر يقع في
كبريات مستشفيات العالم، وهذا بالطبع ليس تبريرا لما قد يقع من اخطاء طبية ايا كان
مستواها، فقدان الروح او دون ذلك، ولا اعتقد ان هناك طبيبا يعمد الى ارتكاب اخطاء
طبية، لأن أي خطأ يسجل في ملفه، وبالتالي لن يكون مؤهلا للوصول الى مناصب عليا،
طبية كانت او ادارية.
ولكن السؤال: لماذا اصداء الاخطاء الطبية في مجتمعنا تتصاعد، وتأخذ حيزا كبيرا،
وتنتشر بسرعة اكثر مما هي عليه في المجتمعات الاخرى، وهل هناك اخطاء طبية جراحية
وعلاجية بهذا الحجم، وانها اصبحت ظاهرة تستوجب التوقف عندها، والبحث عن اسبابها...
اسئلة كثيرة بحاجة الى توقف، وبحاجة الى اجوبة من قبل الاخوة المسؤولين بمؤسسة حمد
الطبية، الذين بالتأكيد يجتهدون، وللمجتهد ان اصاب اجران، وان اخطأ فله اجر واحد.
هناك اخطاء طبية، جراحية وعلاجية، وهو امر اعتقد ان المسؤولين في حمد الطبية لا
ينكرونه، ولكن التعامل مع هذه الاخطاء، وكيفية التفاعل مع الاطراف المتضررة، واطلاع
المرضى عليها، والتواصل مع المجتمع لإطلاعه على هذا القصور الذي قد يحدث في بعض
الاحيان، ومعرفة الناس بالاجراءات المتخذة حيال المخطئين،...، وغيرها من الامور هي
ما يجب التوقف عنده.
للاسف الشديد ان هناك ضبابية في تعامل ادارة مؤسسة حمد الطبية مع الاخطاء الطبية،
وهنا لا ننتقص من دور د. حنان الكواري المدير العام لمؤسسة حمد الطبية والفريق
العامل معها، ولكن الكثير من الحالات المتضررة لا تعرف ما تم بشأن ما تعرض له
مريضهم من خطأ طبي اودى بحياته، او ما تعرض له مريضهم من انتكاسة صحية، هذا الامر
يدفع الى حالة الاستياء الشديد من قبل اهالي المرضى، الذين يحق لهم معرفة ما وقع
لهم من اذى بفقدان روح او بأمر قد لا يعوض.
هناك باختصار شديد في كثير من الاحيان تكتم على ما يقع من اخطاء طبية في مستشفى حمد
العام، هذا التكتم طبيعي انه يدفع المعنيين من المرضى واهلهم الى رفع اصواتهم، شكوى
وانتقادا، بل وتجريحا للاطباء والمسؤولين بالمؤسسة، طالما لم يجدوا الاجابة الشافية
جراء ما تعرضوا له.
نحن بحاجة الى شفافية في تناول هذه القضايا، فلماذا لا يخرج علينا مسؤولو حمد
الطبية ليعلنوا عن هذه الاخطاء بكل صراحة وبكل جرأة، واذا ما فعلوا ذلك سيكسبون ثقة
المجتمع، وفي الوقت نفسه لن يتيحوا مجالا للشائعات، التي تترعرع في البيئات التي
تغيب بها الشفافية، وتختفي فيها المعلومة الصريحة والاكيدة.
لا يمنع ان تعلن مؤسسة حمد الطبية عن فتح لجان تحقيق في الاخطاء الطبية التي تحدث
فيها، وتكشف النقاب عن ذلك بكل شفافية، بعيدا عن اسلوب التبرير غير المنطقي.
المجتمع يتعاطف مع ضحايا الاخطاء الطبية، وهذا امر طبيعي، ولكن غير الطبيعي الا
تبادر مؤسسة حمد الطبية باتخاذ اجراءات حاسمة وحازمة اذا ما ثبت اهمال البعض من
الاطباء في التعامل مع المرضى.
نعم هناك نسبة من الاطباء قد تكون قليلة لكنها موجودة، ترتكب اخطاء جراء الاهمال
وسوء تقدير للحالة المرضية التي يشرفون عليها، وهذه الفئة لا تسيء فقط الى نفسها،
بقدر ما تسيء الى كل الاطباء، والى الصرح الطبي لمؤسسة حمد الطبية.
الجميع يقدر الجهود التي يقوم بها الاطباء، ولكن في الوقت نفسه المجتمع ليس على
استعداد لتقبل الاخطاء الطبية الناجمة عن الاهمال، والناجمة عن رغبة البعض او الفئة
القليلة من الاطباء الذين يرغبون بتسجيل نجاحات ولو على حساب المرضى، مع علمهم
بصعوبة او استحالة اجراء العملية الجراحية، ولكن بالرغم من ذلك يعمدون الى اجرائها،
ويؤكدون لأهل المريض ان نسبة النجاح عالية جدا، اذا لم تكن تصل الى 100 %.
أرواح الناس ليست حقل تجارب، وليس مسموحا المجازفة بإجراء عمليات دون اطلاع المريض
او اهله على المخاطر المقدم عليها المريض، بكل صراحة، ولكن في نفس الوقت بأسلوب
حضاري وتمهيدي مقنع، وليس باسلوب التخويف والارهاب.
صحيح ان صغر المجتمع، وسرعة تناقل الاخبار فيه، خاصة الاخبار السيئة، تمثل بوابات
لتقديم صورة ربما غير ملائمة عن مؤسسة حمد الطبية، الا ان ضعف الشفافية في التعامل
مع الاخطاء الطبية، والحالات المرضية التي تتعرض لانتكاسات، والتشخيص غير الدقيق
لهذه الحالات، وتعرض البعض للتجارب العلاجية في تقديم ادوية ووصفات طبية مغايرة من
طبيب لآخر،...، كل هذه الامور وغيرها جعلت من هذه الاخطاء الطبية ظاهرة تعلو على
السطح، ويكثر الحديث عنها في كثير من الاحيان، على الرغم من وجود نجاحات طبية
تحققها مؤسسة حمد الطبية، الا ان هذه النجاحات تغيب وتختفي في ظل الشكاوى من
الاخطاء الطبية.
مؤسسة حمد الطبية لها دور مقدر، وهذا امر لا ينكره احد، ولكن نريد مزيدا من
الشفافية في التعامل مع ملفات الاخطاء الطبية، وتقديم المخطئين للمحاسبة، واجراء
تقييم دوري لاداء الاطباء، لأن طبيبا واحدا ليس على المستوى المطلوب، او يرتكب
اخطاء طبية، قد يشوه صورة جميع الاطباء، ويشوه صورة المؤسسة بأكملها.
نريد لغة الصراحة والمكاشفة بين المجتمع ومؤسسة حمد الطبية، وهي اللغة الكفيلة
بازالة الكثير من اللغط الذي يدور حول مستشفى حمد العام، واذا ما استمر تجاهل هذه
الشكاوى فان ثقة الجمهور ستتدهور اكثر مع هذه الصرح الطبي الكبير، الذي ينظر الجميع
اليه باحترام وتقدير.