قطر-جريدة العرب- الاثنين
٢١ يناير ٢٠١٣ م، الموافق ٩ ربيع الأول ١٤٣٤ هـ-العدد 8989
ولنا
أمل في قانون التقاعد الجديد
إلحاقاً بمقالي السابق
ومقالات زميلي فيصل المرزوقي والمتعلقة بنظام التقاعد، وصلني عدد من رسائل البريد
الإلكتروني والتعليقات والاقتراحات، وسأعرضها كما وصلتني لهدفين: 1) التوعية. 2)
الآمال المرتقبة من قانون التقاعد الجديد! ونأمل أن يكون للتوعية نصيبها من
التحقيق.. ونطمع أن يكون للتوقعات نصيب أكبر من الاهتمام والأخذ بها بين صُناع
القرار في هيئة التقاعد.
1- صناديق التقاعد في أغلب دول العالم تُدار بأسلوب شركات التأمين، حيث تكون
الإدارة وكيلاً للمساهمين في الصندوق، وتدير الصندوق وفق ما تراه مناسباً حسب خططها
الاستثمارية، مع فصل الميزانية التشغيلية الممولة (رواتب المتقاعدين في حال
استحقاقها) من قبل الحكومة عن ميزانية الصندوق. ولهذا فإن صناديق التأمينات في
الدول المتقدمة تعتبر التزامات على من يديرها، ويجب ضمان المحافظة عليها وضمان
استقرار السوق المالية بتوفير فرص منافسة لجميع القطاعات، ومراعاة عدم فرض سيطرة
قطاع واحد على السوق المالية، منعاً لأي احتكار محتمل.
2- على الرغم من صدور قانون التقاعد منذ سنة 2002، إلا أن الهيئة ما زالت تُعتبر
حديثة العمر نوعاً ما مقارنة بنظرائها في دول الخليج كصندوق التقاعد السعودي الذي
بدأ من الخمسينيات. كما أن صندوق التقاعد لم يحظ بالاهتمام من قبل القائمين عليه
ولا حتى ربما من المتقاعدين أنفسهم إلا بعدما أشيع بتجاوز أصول الهيئة للخمسين
مليار ريال! وكأن الرقم الضخم جداً أيقظ الكثير من العقول لإثارة العديد من
التساؤلات لماهية «الحياة الكريمة» التي يقدمها الصندوق لما يقارب 12000 ألف
متقاعد!
3- لا يوجد في الدولة قانون للضمان الاجتماعي كنظام شامل، والنظام المتوفر حالياً
هو أشبه بالتأمين الاجتماعي، الذي يشمل رواتب التقاعد، ورواتب الأرامل... ومن في
حكمهم. فكيف نتوقع من نظام غير شامل أن يكتمل رغم وضوح هدفه المتمثل في تأمين «حياة
كريمة» في ظل عدم اكتمال كل جوانب قانون الضمان الاجتماعي.. المفقود أصلاً! فهل خلت
قطر تماماً من الفقراء من المواطنين؟ وهل تتضاءل فعلاً نسب البطالة «الحقيقية» بين
القطريين؟
4- أثناء «حركة التنقلات الذهبية» لموظفي الدولة من القطريين من القطاع الحكومي إلى
القطاع الخاص في «طفرة ما بعد 2004» حدث نوع من التلاعب في تحويل الموظفين من
المؤسسات/الشركات إلى نظام التقاعد! فقام «بعض» المسؤولين بتوظيف أقاربهم أو
معارفهم برواتب خيالية على أن يتم تحويلهم إلى نظام التقاعد بعد فترة بسيطة!!!
الأمر الذي دفع الدولة لوضع شرط الخمس سنوات مع أخذ معدل الراتب! فمن المُلام هنا:
الدولة التي وثقت في أبنائها.. أم أبناؤها الذين استغلوا ثقة الدولة فيهم لمصالحهم
الشخصية؟
5- قد يختار المتقاعد -وبالذات المتقاعد «قهراً»- أن يرجع للعطاء المهني.. فما الذي
يمنع المطالبة بحق المتقاعد العائد للعمل بفتح اشتراك جديد وعدم إلغاء راتبه
التقاعدي الذي استحقه عن خدمة سابقة؟ فللأسف لا يستفيد من هذه الميزة -حسب ما
وصلني- إلا العسكري المتقاعد! فبإمكان العسكري أن يتقاعد في سن مبكرة وبراتب تقاعد
جيد وينضم للعمل كمدني، فُيُفتح له حساب جديد في الصندوق المدني مع احتفاظه براتب
تقاعد الصندوق العسكري! فما المانع أن يتمتع المتقاعد المدني بنفس الميزة؟ أليس كل
من العسكري والمدني مواطناً؟
6- بما أن صندوق التقاعد في قطر يدخل في نطاق التأمين الاجتماعي وليس الاستثماري،
كما هو المعمول والمُطبق في معظم دول العالم، فإن دخوله في استثمارات غير مدروسة
ومأمونة المخاطر ودون المحافظة على استقرار السوق المالية في قطر قد يعد أمراً
مُكلفاً، فلكم أن تتخيلوا دخول صندوق التقاعد بثقله المالي الحالي للسوق المالية،
ولكم أن تتخيلوا عدد الشركات التي قد يساهم فيها، والتي قد يسيطر عليها وربما
يحتكرها.. وغير ذلك.. ولكم أن تتخيلوا شروط الرقابة والتدقيق المالي المفروضة من
مصرف قطر المركزي لتنظيم القطاع المالي نفسه، بما فيه صندوق التقاعد، والسؤل الأهم:
هل سيخضع صندوق التقاعد لهذه الشروط.. أصلاً؟
7- ومع ذلك، يمكن لصندوق التقاعد الدخول في استثمارات مأمونة المخاطر دون التأثير
السلبي على السوق المالية، وبما يضمن توزيع بعض الفوائض على المشتركين المتقاعدين،
وذلك بإضافة مادة جديدة للقانون المتوقع قد تنص مثلاً على «أي زيادة في عوائد
الاستثمار عن النسبة المحددة (ولنفرض أن الصندوق يستهدف 8%) يتم توزيعها على
المشتركين القدامى والجدد بطريقة النسبة والتناسب (هناك مشتركون جدد وقدامى وهناك
متقاعدون لا يسددون اشتراكات وإنما يحصلون على عوائد اشتراكاتهم السابقة...). وستظل
قضية توزيع فوائض استثمارات الصندوق قضية جدلية صعبة، خاصة أنها تحتاج لتشريعات
وقوانين صارمة، والأهم شفافية لا غبار عليها.. ولكنها أقرب للعدالة في ظل تضخم لا
يرحم، وأقرب للتطبيق في زمن سهل فيه كل صعب.
8- من الواضح أن هيئة التقاعد يتوجب عليها البدء الفوري في تبني نظام مُحفز للبعثات
خاص بها لتشجيع الشباب القطري على الالتحاق بمجال الدراسات الاكتوارية القائمة على
الإحصاءات. فمن الطبيعي أن تتم الاستعانة بالخبرة الأجنبية في ظل عدم وجود أي تشجيع
لهذا التخصص من قبل الهيئة أو هيئة التعليم أو حتى الشباب القطري أنفسهم! فهل يوجد
في قطر أي مواطن متخصص أو خبير في هذا النوع من الدراسات؟ ورغم تخرج عدد لا بأس به
في مجال الإحصاء إلا أنه لم تتم مواصلة الاستثمار بهم في الدراسات الاكتوارية
لتستفيد منها الهيئة! على أن يتم «تفصيل» نظام حوافز متميز للمبتعثين يختلف عن باقي
المبتعثين في التخصصات الأخرى لندرة تخصصهم من ناحية، ولتطويرهم ضمن خطط تطوير مهني
لاحقاً من ناحية أخرى، ويكون توظيفهم برواتب مغرية تميزهم عن بقية موظفي الهيئة.
قد يطول الحديث والنقاش في قانون التقاعد الحالي والمُرتقب، ولكننا بلا شك نأمل في
حياة كريمة لمن أعطى الوطن بسخاء.. نأمل في قانون للضمان الاجتماعي يُنظر له على
أنه استثمار طويل الأجل لأجيال لم تبخل بعطائها يوماً ما.. نأمل في صندوق ناضج
مستقر القرارات واضح المسارات.. نأمل في تشريع قانوني شامل لتوفير حياة كريمة لفئات
قد نظن أنها تعيش حياة كريمة وهي ليست كذلك!
الشكر الجزيل لمن أثراني بحواره وآرائه وخبرته في قانون التقاعد.. ولنا أمل في
قانون التقاعد الجديد بإذن الله.