قطر-جريدة الراية- السبت 2
مارس 2013 الموافق 19 ربيع الآخر 1434
المكتبة القانونية القطرية
بقلم : د. محمد بن عبدالعزيز بن صالح الخليفي
تحدثت في مقالةٍ سابقة
عن الثقافة القانونية، وعلى صلة بها أردف هذه المقالة عن المكتبة القانونية، فمن
الذي يشك في تنافس الأمم حول ضخامة رصيدها المعرفي، ليكون عنوان ثرائها الفكري،
وعلامة سبقها الحضاري . ولست أعني بذلك مقدار ما تقتنيه من إنتاج الآخرين، على
أهمية ذلك الجمع والاقتناء، ولكني أعني به إنتاج الأمة نفسها، وعطاء أبنائها
الثقافي، ومقدار ما يمثله من إسهام وإضافة في الوسط الإنساني . وأحسب أن كل أمة
تحدث نفسها بالأعمال العلمية الجليلة، وهو حديث نودّ أن نسمعه عالياً عندنا، مثلما
نسمع أحاديث عن الأعمال الأخرى.
إن الزائر للغرب تتملكه الدهشة وهو يشاهد حفاوة تلك المجتمعات بالكتاب، وليس من
الضروري اليوم أن ينصرف معنى الكتاب إلى المصنف الورقي على أهميته، فقد أضحت
الأقراص المدمجة كتباً، ولكنها كتب غير مرئية إلاّ على أجهزة الحاسوب، مثلما كانت
الكتب من قبل غير مرئية، لأنها كانت مطبوعة على صدور أهل العلم من الرعيل الأول،
إلى أن انتقلت من الصدور إلى السطور، ولكن ظلّت مفاتيحها في الصدور . ولا أدلّ على
اهتمام الانسانية بالعلم من الظهور المبكّر للصناعات الورقيّة، فالحاجة أم
الاختراع، وقد كانت الحاجة ماسة إلى ابتداع أوعية تحفظ الانتاج العلمي، إلى أن وصلت
إبداعات الفكر الإنساني إلى ما وصلت إليه من تقدم في أساليب التدوين والحفظ
والتوزيع .
إن من حق المشتغلين بالقانون أن يكون لهم نصيب في مضمار البحث العلمي، وأيّ نصيب،
بل لعله واجب مفروض قبل أن يكون حقاً مكتسباً، والسبب ما يلاحظه الدارس من شح شديد
في المكتبة القانونية القطرية، في الوقت الذي تعلن فيه الشقيقتان الكويت والإمارات
العربية المتحدة عن اكتمال مكتبتهما القانونية في إنجاز المؤلفات التامة في جميع
فروع قانونهما الوطني، العام والخاص على السواء.
ربما كان من السهل بناء صرح يتألف من خمسين طابقاً، مشحوناً بأصناف الكتب العالمية،
ولكن رفاً واحداً مملوءاً بالكتب الوطنية، أغلى في نظري من ذلك الصرح الرفيع.
وتذكيراً للقارئ، فإننا كثيراً ما نردد تلك الكلمة الذائعة « نبني كما كانت أوائلنا
تبني» فهل يرى القارئ كم هي خفيفة على اللسان، وكم هي ثقيلة في ميزان العمل،
فالأعمال الفكرية أصعب على الآدمي من الأعمال العضلية، ولذلك كانت أنماط التطور
والرقي في الحياة المدنية المعاصرة مدينة في تشييدها للفكر الإنساني، وما قطعه من
أشواط بعيدة في مناهج العلوم وتأسيس قواعدها، أما البدن فإنه فيها خادم للعزيمة
والإرادة، إرادة التحدّي والإنجاز، وعزيمة السبق والتقدم، حيث يكون التنافس على
أشدّه بين إرادات الشعوب وعزائم الأمم.
لقد أنفقت الدولة في ميدان التعليم ما لا يحصيه محص ولا يعدّه عاد، ثم لازالت
مرتبتنا على سلّم البحث والتأليف عند العتبات الأولى، فهل من وقفة نتساءل عندها عن
الدواعي والأسباب، فربما كان الإبحار على مجرىً لا يصل بنا إلى الغاية المقصودة،
فليكن انشغالنا برهة من الزمن في إجالة الفكر وتقليب وجوه النظر، لعلنا نهتدي إلى
سبيل غير السبيل، أو إلى وجهٍ من وجوه التدبير غير الوجوه الأولى، فليس من الإنصاف
أن نبحر لمجرد الإبحار، أو أن نغرس أشجاراً طلباً للخضرة، والشجرة لا تطلب إلاّ
لثمارها.
إن الباحث في القانون محتاج إلى أن يطرق أبواب التشريع والقضاء والفقه، وإذا كان
التشريع منشوراً، وكانت طائفة من أحكام القضاء منشورة، فإن باب الفقه لازال موصداً،
وقد طال انتظار أهل القانون أمامه، رجاء أن يفتح، وفتحه بتضافر المؤسسات العلمية
والأفراد المختصين على أن تدور عجلة البحث العلمي دورةً لا تعرف التوقف، تدفعها يدٌ
بعد يد، ويتعاهدها جيل بعد جيل .
وما من أحدٍ إلاّ وهو يعلم مدى اتساع المكتبة القانونية، وغزارة مادتها، فضلاً عن
تشعّب فروعها، ففي الحقل العام أمامنا القانون الدولي، والقانون الدستوري،
والإداري، والمالي، والجنائي. وفي الحقل الخاص أمامنا القانون المدني، والتجاري
والبحري، والدولي الخاص، والمرافعات، والأسرة. وفي كل غصن من دوحة القانون فروع
وأقسام، لا يحيط بمسائل كل فرع منها مجلد واحد. وإذا تهيأ للقوانين القطرية أن
تتوفر على شارحين من ذوي المؤهلات العلمية، فإن عطاءهم المرتقب سيكون لبنات صالحة
في تأسيس مكتبة القانون.
القانون
وفقًا لأخر تعديل - قانون رقم (10) لسنة 2003 بإصدار قانون السلطة القضائية
الانتهاء
من برنامج الشريعة وتطوير المكتبة القانونية