قطر-جريدة الشرق- الاثنين
٤ مارس ٢٠١٣ م، الموافق ٢٢ ربيع الثاني ١٤٣٤ هـ
العدل والمساواة والعلاقات الدولية
وأنا استمع لبرنامج
وطني الحبيب صباح الخير جذب انتباهي، في أيام مختلفة، عدة مواطنين تكلموا عن
محاولتهم الحصول على تأشيرة دخول للمملكة المتحدة ولم يوفقوا بذلك، بل ان ممثل
السفارة البريطانية في هذه الأمور تأخر في إعادة جوازاتهم القطرية مما ضيع عليهم
السفر في إجازة نصف السنة. وهذا ليس بغريب على الشعوب الأوروبية. فالشعب اليوناني،
على سبيل المثال، قد فرق بين من ينتسب إلى أصل يوناني، وبين الآخرين، فجعل للأولين
جميع الحقوق الوطنية، وخولهم حق السيادة على الآخرين؛ وجاراه في ذلك الشعب الروماني
مضيفاً إلى ذلك شيئاً من الغلو، فلم يفرق بين من هو من أصل روماني وبين غيره فحسب،
بل فرق بين الخاصة والعامة أيضاً، فجعل للأولين الزعامة والقيادة والحماية، وفرض
على الآخرين الخضوع والانقياد والطاعة، ولم أنس أن اليهود كانوا ولا يزالون يعتقدون
أنهم شعب الله المختار، وأنهم أبناء الله وأحباؤه، وهم الذين قالوا عن طالوت
(أَنَّى يَكُونُ لَهُ المُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالمُلْكِ مِنْهُ) يعني
أنه ليس من نسل الملوك، إنما هو من سبط ليس أهلاً للقيادة.
إن الإسلام الذي ننتسب له قد أكرم الإنسان ولم يجعل لأحد الرقي والتمتع بالحقوق على
آخر بفضل حسبه ونسبه وجنسيته، بل الكل سواسية، فربهم واحد، وأبوهم واحد، وهم
متساوون في جميع الحقوق. وأما الأمم الديمقراطية التي تدعي أن العالم الإنساني مدين
لها بمبادئ العدل والمساواة، فلا تزال تسير في سياستها بما يخالف هذا المبدأ، وإن
طبقته وأرست معالمه في حياتها، إلا أن نظرتها تظل قاصرة تنبع من عقل دنيوي متعال.
إن الشعوب الغربية هي من نسل تلك الأمم التي ذكرناها وهم ينظرون للقطريين نظرة
دونية، وأبسط مثال هو ما ذكر في برنامج وطني الحبيب. وللأسف أن حكومتنا تؤكد وتؤيد
هذا التوجه من تلك الدول عن طريق منح منتسبيها التأشيرات (الفيز) عند وصولهم للنقاط
الحدودية لدولة قطر. فالإنجليز، الذين يذلون القطريين بالمقابلات الشخصية والطلبات
العديدة والرسوم العالية، يتم منحهم تأشيرة الدخول للأراضي القطرية بمجرد وصولهم
لكاونتر جوازات مطار حمد الدولي.
إن الدستور القطري في مادته (121) أناط بمجلس الوزراء، بوصفه الهيئة التنفيذية
العليا، مهمة الإشراف على طرق رعاية مصالح الدولة في الخارج، وعلى وسائل العناية
بعلاقاتها الدولية وشئونها الخارجية. ولنسأل أنفسنا ماذا فعل مجلس الوزراء في هذا
الموضوع؟
لقد قام مجلس الوزراء، مدعوماً بزيارات سمو الأمير المفدى لدول العالم، بالتوقيع مع
العديد من تلك الدول ولكن لفئة معينة ومحددة من الشعب القطري وهم الدبلوماسيون
وحملة الجوازات الخاصة فقط، أما بقية الشعب القطري فتناساهم المجلس لأنهم، حسب رأيي
وأتمنى أن أكون على خطأ، لا يعنون له أي شيء. وعلى الجانب الآخر نجد وزارة خارجية
الإمارات العربية المتحدة تقوم بجهود دبلوماسية مكثفة لدى دول الاتحاد الأوروبي،
لإعفاء جميع مواطني الإمارات، وليس فئة محددة، من التأشيرة الأوروبية شنغن
(schengen) على أساس المعاملة بالمثل. وقام السفراء الأوروبيون في أبوظبي بتوقيع
ورفع رسالة موافقة مشتركة إلى المفوضية الأوروبية لتعزيز هذا الطلب.
أن القطريون، والحمد لله في نعمة كبيرة وخير جزيل من رب العالمين، ولذلك فإن الهدف
الغالب لزيارتهم للدول الغربية هو السياحة أو التجارة أو طلب العلم أو العلاج، ولا
يقصدونها أبداً للعمل أو الهجرة. في حين أن الغربيين يأتون لنا للعمل أو لتنفيذ
الأعمال لصالح دولهم أو لعرض سلعهم وخدماتهم. ومن هنا فلنتمسك بحكم الله القائل
(وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ..) غافر:20. ومن حكمه تعالى قوله (وَلاَ تَهِنُوا
وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) آل عمران: 139،
وقوله أيضاً (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ)
النحل: 126. وبما أننا الأعلون وبما أن مصالحهم هي الطاغية والغالبة في الزيارات
بيننا وبينهم، فإننا هنا لا نستنكر أو نشجب إجراءات دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا
في تعاملهم مع المواطنين القطريين بل نطالب وبقوة من الحكومة القطرية أن تكون
المعاملة بالمثل تصديقاً لقول رب العزة (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ
النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ..) المائدة: 45.
وفي الختام نبارك لأهل الإمارات مسعاهم ونسأل رب العالمين أن تكون هي الدولة
المسلمة الثالثة، بعد ماليزيا وبروناي، لإلغاء التأشيرة المفروضة على مواطنيها.
ونأمل أن تقوم الحكومة القطرية المسلمة بالتفاوض نداً بند مع دول العالم للحصول على
حقوق المواطن القطري.
والله من وراء القصد..
الدستور الدائم لدولة قطر