قطر-جريدة الشرق - الاثنين
١٨ مارس ٢٠١٣ م، الموافق ٦ جمادى الأولى ١٤٣٤ هـ
استرداد القانون
ماذا يعني أن يصدر شخص
أو جماعة تزعم انتماءها للإسلام فتوى بقتل المعارضين؟
ماذا يعني أن تشكل بعض الجماعات مجموعات مسلحة تحت زعم المشاركة في توفير الأمن
والاستقرار خصما من دور الأجهزة الأمنية الرسمية؟
ماذا يعني أن يسيطر على الشوارع والطرقات خارجون عن القانون فيفرضون سطوتهم على
المارة وعلى المحلات التجارية ويقومون بسرقة الأفراد والسيارات والمنشآت بل وممارسة
الاغتصاب والتحرش الجنسي نهارا وليلا وعيانا دون خوف أو رادع من سلطة؟
ماذا يعني أن تقوم مجموعات سياسية أو رياضية أو فئوية بالإعلان عن نفسها في وضح
النهار وعندما لا يعجبها حكم قضائي أو سلوك سياسي ما، تقوم بقطع الطرق ووقف
المواصلات العامة وإغلاق المؤسسات الحكومية وتعطيل عملها؟
ثمة مظاهر عديدة باتت معروفة للجميع في دول ما يسمى الربيع العربي تمكن إضافتها إلى
هذا النوع من التصرفات الشاذة التي تعكس غيابا واضحا للقانون وهو ما جعل نخبة من
خبراء القانون يحذرون من تفاقمها بل وتداعياتها السلبية في المؤتمر الأول لتنمية
الوعي بالقانون والذي احتضنته بغداد يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين تحت رعاية
الجامعة العربية وبالتنسيق مع الحكومة العراقية ممثلة في وزارة شؤون مجلس النواب
والمركز العربي للوعي القانوني الذي يديره الصديق الدكتور خالد القاضي والذي عمل
لفترة مستشارا قانونيا بمجلس الوزراء بقطر
وفي معظم ورش العمل والمداخلات التي جرت في هذا المؤتمر النوعي رصدت خوفا من اتساع
حالة غياب القانون والتي تتجلى بوضوح فيما هو ملموس في الانفلات الأمني.
ووفقا للدكتور عصام شرف رئيس الوزراء المصري الأسبق الذي تم اختياره من ميدان
التحرير عقب نجاح ثورة الخامس والعشرين من يناير فإنه من دون احترام القانون
ومحدداته الأساسية فإنه لن يكون بالإمكان التفريق بين الظالم والمظلوم والمعتدي
والضحية وتحقيق العدل رغم أنه يرى أن ما تشهده مصر وبعض البلدان العربية الأخرى على
هذا الصعيد نتيجة طبيعية لتوابع الثورات التي شهدتها، مؤكداً ضرورة الإيمان بالآخر
وعدم تهميشه أو إقصائه من العملية السياسية.
وشدد شرف على أهمية أن يكون التغيير ضمن الأطر القانونية والتي من خلالها تتعاظم
القدرة والرغبة في الفهم لتحقيق أهداف الثورات العربية مع الاستغلال الأمثل للزمن
في تحقيق التقدم المطلوب.
وعندما سألته قانونية عراقية عن دلالات قيامه بأداء اليمين القانونية كرئيس لوزراء
مصر صحح لها المعلومة قائلا: لقد رفضت هذا المنحى وتمسكت بأداء اليمين أمام رئيس
المجلس الأعلى للقوات المسلحة احتراما للقانون والدستور.
ولم تختلف المداخلة التي أدلى بها الدكتور إبراهيم الجعفري رئيس الوزراء العراقي
الأسبق ورئيس التحالف الوطني العراقي عن طروحات الدكتور شرف وعبر عن قناعته بأن ما
طرأ على السطح في دول الربيع العربي من انفلات أمني وغياب للقانون يهدد ثوراتها،
مطالبا بأن نعير الاهتمام لأصوات الساكتين في البيوت وليس لأصوات المتظاهرين في
الشوارع فحسب. منددا بطرح شعار الشعب يريد إسقاط النظام الذي بات يتردد في الوقت
الحالي ورأى أنه لا يعني بالضرورة إسقاط الدولة، لأنه في حال سقوطها ستتحول البلاد
إلى ساحة من الفوضى ويسودها قانون الغاب، ونبه قائلا: إذا خيرنا بين الفوضى
واستمرار النظم الفاسدة سوف نختار الأخيرة، لأن نتائج الفوضى خطيرة للغاية على
الدولة وعلى الشعب.
لكن ما استرعى انتباهي مداخلة الدكتور محمود العطار نائب رئيس مجلس الدولة بمصر
والتي طرحها وهو مسكون بالوجع، كما بدا لي خلال متابعتي له، فهو ألح على ضرورة
استعادة الوعي بالقانون في دول الربيع العربي، خاصة في مصر، مشيراً إلى أنه في ظل
غياب هذا الوعي حدث تغيير في المفاهيم وارتكبت العديد من الجرائم وأتلفت المؤسسات
وتحول وضع رجل الأمن من حالة المدافع عن المنشآت إلى خانة المتهم والذي يزج به في
بعض الأحيان إلى السجون، لافتا إلى أن هناك محاولات في بعض دول الربيع العربي
لإسقاط القانون مما يقود الثورة إلى حالة الفوضى، مشيراً إلى أنه ينبغي احترام حق
التظاهر السلمي حتى لا يتحول إلى مهاجمة المنشآت والاعتداء على الأفراد ولا يتحول
حق النقد إلى مجرد توجيه السباب والشتائم وحق الإضراب إلى الامتناع عن أداء العمل.
وحسبما يقول الدكتور خالد القاضي في مداخلته فإن للوعي بالقانون قيمة – عظيمة على
المستويين الفردي والجمعي، فالقانون علامة على الوجود البشري واستمراره، وحاضره
ومستقبله، بل إن تقدم الأمم وقيام الحضارات يدور وجوداً وعدماً.. وقوة وضعفاً..
وإيجاباً وسلباً مع رسوخ اقتناعها باحترام القانون وقدسيته ووعي الشعوب به، ولهذا
تتعدد أهداف القانون وغاياته والنتائج المترتبة على سيادته بداية من سعادة الفرد
ورفاهية حياته وتيسيرها، إلى قيام المجتمعات وازدهارها ورقيها وتحضرها، واستمرار
الدول وحفظ هيبتها ومكانتها.
وفي ضوء هذه الأهمية القصوى للقانون فقد شدد المؤتمر الذي شارك فيه أكثر من 70
قانونيا من مختلف الأقطار العربية شرفت بمتابعته على ضرورة تكثيف الجهود من أجل
تنمية ثقافة الوعي القانوني على المستويين الوطني والعربي باعتبارها من المطالب
الملحة للشعوب العربية في ظل الأحداث التي يشهدها العالم العربي، داعيا المواطنين
لأن يكونوا أكثر وعيا لحقوقهم وواجباتهم وبالقوانين المستجدة التي تنظم حياتهم،
بالإضافة إلى أهمية التركيز على تفعيل تلك التشريعات والعمل على تقريبها من غير
المتخصصين بالقانون من خلال نشر وتعزيز ثقافتها لدى جميع شرائح المجتمع والتوعية
بها لضمان تنفيذها.
إن تنمية ثقافة الوعي القانوني والوطني حق من حقوق الإنسان يتعين على الحكومات أن
تكفله لكل مواطنيها، وأن تسعى إلى إعماله وتعزيزه بكافة الوسائل.
هكذا يؤكد مؤتمر بغداد الذي اعتبر أن رقي الأمم وتقدمها بات يقاس بارتفاع مستوى وعي
شرائح مجتمعاتهم بالقوانين المتعلقة بهم، ورسوخ قناعاتها باحترام وقدسية تلك
القوانين لكي تتعايش وفق مقتضيات الحق والعدل والمساواة ومن ثم فإن نشر ثقافة الوعي
بالقانون مطلب ملح وأمر واجب على الجميع في ظل استشراء الفساد وهدر المال العام.
وفي ظل ممارسة بعض السلطات السياسية لأبشع أساليب التعسف ضد مواطنيها، والعمل على
إفقارهم وسرقتهم وهو ما كان حتما مباشرا لنشوب ثورات ما يسمى بالربيع العربي في بعض
الدول العربية.
القانون وفقًا لأخر تعديل - قانون رقم (10) لسنة 2003 بإصدار قانون السلطة القضائية
القانون وفقا لأخر تعديل - قانون رقم (11) لسنة 2004بإصدار قانون العقوبات