جريدة الراية
- الثلاثاء 17 نوفمبر 2015
المحامي يوسف الزمان لـ الراية :مطلوب التوسّع في تعيين المساعدين القضائيين
القطريين
استيعاب المتميزين من خريجي القانون والشريعة سنويًا
ضرورة العناية الفائقة بإعداد القضاة وتنمية ملكاتهم
ترسيخ معاني الاستقلال والحيدة وقدسية القضاء في نفوس القضاة
طرح رؤية جديدة لتنظيم إجراءات التقاضي
مراجعة شاملة للقوانين الإجرائية خاصةً قانون المرافعات المدنية والتجارية
إنشاء محكمة التمييز أهم حدث في تاريخ القضاء القطري
التطور الكبير بالدولة يستلزم رؤية جديدة لتنظيم إجراءات التقاضي
مراجعة شاملة للقوانين الإجرائية وقانون المرافعات المدنية والتجارية
حوار - هناء صالح
الترك:
دعا المحامي الأستاذ يوسف أحمد الزمان
إلى وضع خطة للتوسّع في تعيين المساعدين القضائيين القطريين واستيعاب المتميزين من
خريجي كلية القانون وطلاب الشريعة سنويًا من الجامعات القطرية وغيرها والنهوض
بمستوى اللغات الأجنبية لديهم، ووجوب العناية الفائقة بإعداد القضاة وتنمية ملكاتهم
وترسيخ معاني الاستقلال والحيدة وقدسية القضاء في نفوسهم ووجدانهم. وقال، في حوار
مع الراية : إنه مع التطور الكبير الذي طرأ على الكثير من النظم الإدارية
والاقتصادية والاجتماعية والزيادة الكبيرة لأعداد الوافدين في قطر، فإن الأمر
يستلزم أن تواكب تلك القفزات قفزة قضائية يتمكن معها النظام القضائي من اللحاق بتلك
الوثبة وأداء رسالته على أكمل وجه.
وأضاف: إن هناك حاجة لطرح رؤية جديدة لتنظيم إجراءات التقاضي جميعها سواء تلك التي
تحكم وتنظم الدعوى المدنية أو الجنائية وقضايا الأسرة أو تلك التي تنظم تنفيذ
الأحكام وإجراءاته، ويقتضي ذلك مراجعة شاملة للقوانين الإجرائية والتي تعتبر عصب
التقاضي وإجراءاته وإعادة النظر فيها، خاصةً قانون المرافعات المدنية والتجارية
الذي صدر منذ أكثر من عشرين عامًا والذي يجب أن تقوم قواعده وأحكامه على فلسفة
جديدة تتلاءم مع التطور الذي وصلت إليه الدولة ومع تعقد الحياة التي يعيشها، ومع
تبدّل أسلوب التعامل بين الناس ودخول أجهزة الاتصال الحديثة إلى منزل ومكتب وجيب كل
مواطن، بما يفرض الاعتراف بهذه الأجهزة والاستعانة بها ضمن الوسائل الإجرائية
المتبعة وخاصةً فيما يتعلق بإعلانات الأوراق القضائية وغيرها من الإجراءات التي من
الممكن أن تقوم بها هذه الأجهزة.
وأشار إلى أن محكمة التمييز تمثل الضمانة لحسن تطبيق القانون ووحدة تفسيره من خلال
النظر في الطعون التي ترفع إليها ضد الأحكام التي تصدرها المحاكم الأدنى، مشيرًا
إلى أن إنشاء المحكمة يعد أهم حدث قضائي في تاريخ القضاء القطري بالنظر إلى
مساهمتها عبر قضائها المستنير في تحقيق الأمن القانوني وتأكيد سيادة القانون.. والى
تفاصيل الحوار:
> بداية.. حدثنا عن تطور القضاء الشرعي والمحكمة العدلية؟
- أولت دولة قطر اهتمامًا كبيرًا بالعدالة باعتبارها واحدة من أهم الركائز التي
تقوم عليها الدولة القانونية الحديثة، والمتتبع للتاريخ القضائي القطري يجد أن جهة
القضاء الشرعي كان لها الدور الأساسي في حل كافة المنازعات التي تنشأ بين الأفراد،
وكان القاضي الشرعي يقوم بالفصل في جميع المنازعات المدنية وجرائم القصاص والحدود
والدية والأحوال الشخصية، وفي منتصف الستينيات من القرن الماضي تطور القضاء الشرعي
ونُظمت المحاكم الشرعية وتم ترتيب سجلاتها وأوراقها ومستنداتها وكان يرأسها فضيلة
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود يرحمه الله وكانت تضم عددًا من القضاة منهم الشيخ
أحمد بن حجر آل بوطامي البنعلي يرحمه الله والشيخ عبدالقادر العماري أطال الله في
عمره وعدد آخر من القضاة الشرعيين. وكانت هناك المحكمة العدلية التي تولى رئاستها
والقضاء فيها سمو الأمير الأب الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني حين كان وليًا للعهد
ونائبًا للحاكم، وكانت توجد محكمة للعمل، ومحكمة جزائية، ومحكمة مرور، ومحكمة شؤون
بلدية قطر، ومع حصول البلاد على استقلالها عام 1971 كان لابد من إيجاد سلطة قضائية
متكاملة، وتنظيم قضائي موحّد وشامل يعرف الأفراد من خلاله المحاكم المختصة ودرجات
التقاضي والإجراءات المتبعة في نظر القضايا.
> ومتى صدرت القوانين المنظمة للقضاء والقوانين الموضوعية والإجرائية والذي يدعم
استقلالها؟
- بالفعل صدرت في عام 1971م القوانين المنظمة للقضاء بالإضافة إلى مجموعة من
القوانين الموضوعية والإجرائية التي ساعدت على استكمال المقومات الرئيسية للنظام
القضائي القطري، ومن أجل توطيد دعائم استقلال القضاء صدر قانون السلطة القضائية
الذي عُمل به اعتبارًا من 2/10/2014 والذي يعد علامة بارزة في تاريخ القضاء القطري،
إذ تم توحيد جهتي القضاء الشرعي والعدلي وأصبح المجلس الأعلى للقضاء هو المنوط به
العمل على تحقيق استقلال القضاء وإبداء الرأي في المسائل المتعلقة بالقضاء ودراسة
واقتراح التشريعات الخاصة بتطوير النظام القضائي وإبداء الرأي في تعيين القضاة
وترقيتهم ونقلهم وندبهم وإعارتهم وإحالتهم إلى التقاعد وفقًا للقانون، ويشكَّل
المجلس من سبعة أعضاء جميعهم من السادة القضاة.
> وما هي أول محكمة تأسست لتوحيد فهم القانون وتطبيقه في المحاكم ومتى بدأت مباشرة
عملها؟
- أنشئت محكمة التمييز على قمة الهرم القضائي ووظيفتها الأساسية توحيد فهم القانون
وتطبيقه في المحاكم المتعدّدة التي تتولى القضاء، وتم إنشاء مكتب فني بمحكمة
التمييز يقوم باستخلاص المبادئ القانونية التي تقرّرها المحكمة فيما تصدره من أحكام
وتبويبها ومتابعة نشرها وإصدار مجموعات الأحكام وإعداد البحوث الفنية، وقد عقدت
محكمة التمييز أولى جلساتها لنظر الطعون في المواد الجنائية بتاريخ 25/4/2005،
وعقدت أولى جلساتها لنظر الطعون في غير المواد الجنائية (مدنية - تجارية - عمالية -
أحوال شخصية - تركات - منازعات العقود الإدارية) بتاريخ 4 أكتوبر 2005. وقام المكتب
الفني منذ أن باشرت محكمة التمييز عملها القضائي في سنة 2005 بإصدار مجموعات
الأحكام، ومع نهاية كل سنة قضائية من عمر محكمة التمييز تصدر مجموعة الأحكام التي
فصلت فيها الداوئر الجنائية والمدنية والتجارية والأحوال الشخصية بمحكمة التمييز
والتي بلغت حتى الآن عشر سنوات.
> وهل محكمة التمييز عبر قضائها المستنير تساهم في تحقيق الأمن القانوني وتأكيد
سيادة القانون وكيف هي أحكام محكمة التمييز؟
- يعد إنشاء محكمة التمييز أهم حدث قضائي في تاريخ القضاء القطري بالنظر إلى
مساهمتها عبر قضائها المستنير في تحقيق الأمن القانوني وتأكيد سيادة القانون بحسب
أنها محكمة قانون تراقب صحة تطبيقه وتفسيره سواءً كان القانون موضوعيًا أو
إجرائيًا. وأحكام محكمة التمييز لها أهمية عملية بالنسبة للقضاء الأدنى الذي يخشى
إن خالفها أن يؤدي ذلك إلى تمييز أحكامها.. من هنا فإن محكمة التمييز تمثل الضمانة
لحسن تطبيق القانون ووحدة تفسيره من خلال النظر في الطعون التي ترفع إليها ضد
الأحكام التي تصدرها المحاكم الأدنى، ويكون لمحكمة التمييز مراجعة هذه الأحكام
ومراقبتها وتمييزها إن كانت مبنية على مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه أو في
تأويله أو تفسيره، أما إذا تبيّن لها عدم صحة ما استند إليه الطعن، فيتم رفض الطعن،
وإلا يتم تمييزه وإعادته للمحكمة التي أصدرته لتنظره دائرة أخرى غير التي أصدرته مع
بيان أوجه الخلل أو الخطأ أو الزلل لتفاديه، وأحيانًا تتصدى محكمة التمييز للفصل في
الطعن إذا كانت القضية صالحة للحكم فيها. وتقول آخر الإحصائيات الصادرة عن المجلس
الأعلى للقضاء أن عدد الدعاوى المتداولة والواردة التي نُظرت أمام المحاكم بمختلف
درجاتها بلغت 89.101 دعوى خلال عام 2014، تم الحكم في 73.198 دعوى، حيث بلغت نسبة
الفصل 82% بزيادة طفيفة عن عام 2013 الذي بلغت النسبة فيه 81%.
> إلى أي مدى تحسم محكمة التمييز الخلاف وتفرض الحل القانوني الصحيح وتصبح أحكامها
خير زاد للقضاة عند إصدار أحكامهم؟
- ساحة محكمة التمييز اتسعت للاستماع إلى مختلف الأسانيد التي يدلي بها رجال القضاء
من خلال أسباب وحيثيات أحكامهم المطعون فيها، وكذلك إلى مختلف أسانيد المحامين من
خلال أسباب الطعون ومرافعاتهم التي يرتكزون في حججهم القانونية على حق الدفاع بينما
يرتكز القضاة في أسانيدهم القانونية على رسالة القضاء في اقامة العدل وإعمال صحيح
القانون، ووسط هذا الزخم الكبير من الحجج والأسانيد تحسم محكمة التمييز الخلاف
وتفرض الحل القانوني الصحيح، وبالتالي تصبح أحكامها خير زاد للقضاة عند إصدارهم
الأحكام، وللمحامين في تأصيل دفاعهم عند تصديهم لقضايا مشابهة في مختلف درجات
المحاكم. والواقع أن محكمة التمييز خلال عمرها القصير الذي لا يتجاوز عشر سنوات
ونيف أرست الكثير من المبادئ والقواعد القضائية التي على هديها يسير قضاء المحاكم
الأخرى، وأصبحت رصيدًا وتراثًا قانونيًا وفكريًا لا غنى عنها لكل مشتغل بالقانون
وللقضاة والمحاماة وللباحثين والدارسين.
> وماذا عن أبرز المبادئ التي تؤكد عليها المحكمة بشأن حماية الحقوق والحريات
العامة؟
- قضت محكمة التمييز في الطعن رقم 48 لسنة 2005 تمييز جنائي على أن: "من الأصول
المقرّرة أن الاعتراف الذي يعول عليه يتحتم أن يكون اختياريًا، وهو لا يعتبر كذلك -
ولو كان صادقًا - إذا صدر تحت وطأة الإكراه أو التهديد به أو الوعد أو الإغراء
كائنًا ما كان قدره، وكان الأصل أنه يتعين على المحكمة، إن هي رأت التعويل على
الدليل المستمد من الاعتراف، أن تبحث الصلة بينه وبين الإكراه المقول بحصوله وأن
تنفي قيام هذا الإكراه في استدلال سائغ". وقد قضت محكمة التمييز في الطعن رقم 157
لسنة 2009 تمييز جنائي: "بقاء المتهم أكثر من أربع وعشرين ساعة لدى مأمور الضبط
القضائي دون عرضه على النيابة العامة يبطل القبض. أساس ذلك: المادة 43/1 إجراءات
جنائية". وقضت أيضًا في الطعن رقم 174 لسنة 2009 تمييز جنائي: "الإذن بالتفتيش
يقتضي الحد من الحريّة الشخصية بالقدر اللازم لتنفيذه ولو لم يتضمّن أمرًا بالقبض،
واقتياد مأمور الضبط القضائي للطاعن المأذون بتفتيشه لتعاطيه مادة مخدّرة إلى
المختبر لأخذ عيّنة من درره لبيان تعاطيه المخدّر من عدمه، جميعها ثوابت قانونية
أعلاها الدستور والقانون وحرص على حمايتها القضاء، ليس فقط لمصلحة خاصة بالمتهم
وإنما بحسبانها في المقام الأول تستهدف مصلحة عامة تتمثل في حماية قرينة البراءة
وتوفير اطمئنان الناس إلى عدالة القضاء فالغلبة للشرعية الإجرائية ولو أدى إعمالها
لإفلات مجرم من العقاب وذلك لاعتبارات أسمى تغياها الدستور والقانون وغيرها من
المبادئ التي تثبت دون مواربة بأن القضاء هو حصن الحريات وحاميها وحارسها.
> وماذا عن تزايد أعداد القضايا المنظورة أمام المحاكم بجميع أنواعها؟
- بالنظر لما حققته قطر في السنوات الأخيرة من خطوات واسعة في شتى المجالات
الاقتصادية والعمرانية والاجتماعية والاقتصادية انعكس كل ذلك بالطبع على زيادة
ملحوظة في أعداد القضايا المنظورة أمام المحاكم بجميع أنواعها ودرجاتها، وتقول آخر
الإحصائيات الصادرة عن المجلس الأعلى للقضاء أن عدد الدعاوى المتداولة والواردة
التي نُظرت أمام المحاكم بمختلف درجاتها بلغت 89.101 دعوى خلال عام 2014م، تم الحكم
في 73.198 دعوى، حيث بلغت نسبة الفصل 82% بزيادة طفيفة عن عام 2013م الذي بلغت نسبة
فيه 81%.
> وما هي مميزات القضاء في حماية الحقوق العامة والخاصة؟
- أهم ما يتميز به قضاؤنا والحمد لله تلك النزاهة والحيدة التي جعلت منه سياجًا
وملاذًا لحقوق وحريات الأفراد، ولقد أبرز الدستور القطري حقيقة استقلال القضاء، فهو
لم يخلق هذا الاستقلال، إذ من طبيعة القضاء أن يكون مستقلًا والأصل فيه أن يكون
كذلك وكل مساس بهذا الأصل من شأنه أن يعبث بجلال القضاء، وكل تدخل في عمل القضاء من
جانب أية سلطة من السلطتين يخل بميزان العدل ويقوض دعائم الحكم، فالعدل كما قيل
قديمًا أساس الملك.. وفي قيام القاضي بأداء وظيفته حرًا مستقلًا مطمئنًا على كرسيه
آمنًا على مصيره أكبر ضمانة لحماية الحقوق العامة والخاصة، والقضاء هو عنوان نهضة
كل دولة، ومعيار تقدّمها ومظهر رُقيها، وما من دولة تخلّف فيها القضاء، إلا تخلّفت
عن ركب المدنية وأسباب الارتقاء. من هنا بات ضروريًا أن يتطور الجهاز القضائي في
أسلوب عمله وأدائه مع التطور الذي يصيب المجتمع ويواكب ذلك التطور ويعايشه، بل
يسبقه ليتمكن من أداء رسالته على أكمل وجه.
> وما هي مقترحاتكم لتطوير النظام القضائي وطرح رؤية جديدة لتنظيم إجراءات التقاضي
جميعها؟
- مع التطور الكبير الذي طرأ على الكثير من النظم الإدارية والاقتصادية والاجتماعية
والزيادة الكبيرة لأعداد الوافدين في قطر، فإن الأمر يستلزم أن تواكب تلك القفزات
قفزة قضائية يتمكن معها النظام القضائي من اللحاق بتلك الوثبة وأداء رسالته على
أكمل وجه. بما يقتضي طرح رؤية جديدة لتنظيم إجراءات التقاضي جميعها سواء تلك التي
تحكم وتنظم الدعوى المدنية أو الجنائية وقضايا الأسرة أو تلك التي تنظم تنفيذ
الأحكام وإجراءاته، ويقتضي ذلك مراجعة شاملة للقوانين الإجرائية والتي تعد عصب
التقاضي وإجراءاته وإعادة النظر فيها، خاصةً قانون المرافعات المدنية والتجارية
الذي صدر منذ أكثر من عشرين عامًا والذي يجب أن تقوم قواعده وأحكامه على فلسفة
جديدة تتلاءم مع التطور الذي وصلت إليه الدولة ومع تعقد الحياة التي يعيشها، ومع
تبدّل أسلوب التعامل بين الناس ودخول أجهزة الاتصال الحديثة إلى منزل ومكتب وجيب كل
مواطن، بما يفرض الاعتراف بهذه الأجهزة والاستعانة بها ضمن الوسائل الإجرائية
المتبعة وخاصةً فيما يتعلق بإعلانات الأوراق القضائية وغيرها من الإجراءات التي من
الممكن أن تقوم بها هذه الأجهزة.
ونقترح وضع خطة للتوسّع في تعيين المساعدين القضائيين القطريين واستيعاب الصالحين
من خريجي كلية القانون وطلاب الشريعة سنويًا من الجامعات القطرية وغيرها والنهوض
بمستوى اللغات الأجنبية لديهم، ووجوب العناية الفائقة بإعداد القضاة وتنمية ملكاتهم
وترسيخ معاني الاستقلال والحيدة وقدسية القضاء في نفوسهم ووجدانهم.