جريدة الراية - الأحد 30 ديسمبر
2018م
تبدأ
بتقليص الحماية الجنائية لشيك الضمان..
المحامي يوسف الزمان لـ الراية:5 تدابير قانونية للقضاء على ظاهرة الشيكات بدون رصيد
معاقبة المستفيد الذي يحصل بسوء نية على شيك ليس له مقابل وفاءً لدين
تمكين الساحب أمام سلطات التحقيق والمحاكم من إثبات أن الشيك سند مديونية
حث البنوك على وضع ضوابط لصرف دفاتر شيكات للعملاء أصحاب الحسابات البنكية
إلزام البنوك بإخطار المصرف المركزي عن كل شيك يُقدَّم لها لا يقابله رصيد
السماح لكل بنك بإخطار النيابة فوراً عن كل حالة شيك بدون رصيد
البنوك ساهمت في تفاقم الظاهرة بتسليم دفاتر الشيكات للعملاء بدون ضوابط
توفير الحماية الجنائية للشيكات سهّل للبعض جعلها أداة ضغط وإكراه
الحماية الجنائية وراء زيادة عدد جرائم الشيك بدون رصيد
إيجاد وسيلة لضمان التزامات المتعاقدين في عقود الإيجار أو المقاولة أو البيع تحل محل
الشيكات
5 دوائر في محكمة الجنح تعمل على مدار الأسبوع للنظر في قضايا جنح الشيكات
25 ألف بلاغ جنائي أمام قسم جرائم الشيكات سنوياً
تعزيز التدابير الوقائية وتشديد الأوامر على البنوك العاملة في الدول وجعلها جهة رقابية
جريمة الشيك من أكثر الأفعال المُجرّمة ارتكاباً في قطر
مئات الأحكام الحضورية والغيابية على المتهمين وعشرات المدانين يقبعون في السجون
الظاهرة تلقي أعباءً إدارية كبيرة على أجهزة الشرطة والنيابة والمحاكم
حوار
- عبدالحميد غانم:
شدّد المحامي يوسف الزمان على ضرورة مواجهة ظاهرة
تفاقم جريمة الشيك بدون رصيد والتي أصبحت تمثل خطورة على سلامة وأمن المجتمع اقتصادياً،
وعامل قلق بالنسبة للكثير من الأفراد، منهم من خسر أمواله ومنهم من فقد حريّته نتيجةً
للاستخدام الخاطئ لورقة الشيك. ورأى أنه آن الأوان لدراسة تقليص الحماية الجنائية لشيك
الضمان، هذه الحماية التي فُرضت أصلاً للشيك كأداة وفاء ودفع فوري، وليست لشيك الضمان
الذي اتسعت رقعة استعماله في السوق ووقع ضحيّة له الساحب والمستفيد والمجتمع. واقترح
الزمان في حوار مع [ اتخاذ عدد من التدابير والمتمثلة في، أولاً: إضافة نص قانوني إلى
قانون العقوبات يقضي بـ: (معاقبة المستفيد الذي حصل بسوء نية على شيك ليس له مقابل
وفاء سواءً في ذلك أكان شخصاً طبيعياً أو اعتبارياً)، كما ذهبت بعض التشريعات العربية
والأجنبية. وبهذه الوسيلة يستطيع المشرّع القطري أن يواجه الحالات التي يُساء فيها
استغلال الشيك لتحقيق أغراض تخرج به عن وظيفته كأداة وفاء، وبوجود هذا النص فإننا سوف
نحفظ للشيك الثقة في التعامل ونمنع من إساءة استعماله، وسوف يتردّد الكثير من المستفيدين
عن قبول أي شيك يقدّم لهم إلا بعد التأكد من وجود رصيد مقابل له عند قبول واستلام الشيك،
عن طريق تقديم شهادة من البنك المسحوبة عليه الشيكات الآجلة تفيد أن لدى ساحب الشيك
دخلاً مالياً مستمراً يستطيع الوفاء بالشيكات الآجلة التي تسلّمها من الساحب، مثل تقديم
المستأجرين للعقارات لشيكات لأشهر مُقبلة للمؤجرين. ما سوف يؤدي ذلك حتماً إلى انخفاض
عدد البلاغات الجنائية وبالتالي قضايا الشيكات. وثانياً: تمكين الساحب أمام سلطات التحقيق
والمحاكم من إثبات أن تقديمه الشيك للمستفيد كضمان لدين عليه وأنه كان حسن النية، وأن
المستفيد يعلم ووافق على هذا الضمان بما تنتفي معه مسؤولية الساحب الجنائية وتبقى مسؤوليته
المدنية في مواجهة المستفيد من الشيك بحيث يُصبح هذا الشيك سند مديونية، عندها يمكن
تجنيب الكثير من المتعاملين في الشيكات للضغوطات التي يتعرّضون لها من الدائنين. ثالثاً:
تشجيع الأفراد على استخدام وسائل الدفع الحديثة من بطاقات الائتمان، وبطاقات الصرف
الآلي في معاملاتهم المالية، وحث البنوك على وضع ضوابط لصرف دفاتر شيكات للعملاء أصحاب
الحسابات البنكية. رابعاً: إيجاد وسيلة أو أداة أخرى لضمان بعض الالتزامات التي تقع
على المتعاقدين سواءً في عقود الإيجار أو المقاولة أو البيع تحل محل الشيكات، وقد نظم
المشرّع القطري الكمبيالة كأداة ضمان على نحو ما هو مفصّل في قانون التجارة القطري.
خامساً: تعزيز التدابير الوقائية وتشديد الأوامر على البنوك العاملة في الدولة، وجعلها
بمثابة جهة رقابية بإلزامها إخطار المصرف المركزي عن كل شيك يقدّم لها لا يقابله رصيد،
بل ويسمح لكل بنك بإخطار النيابة فوراً عن كل حالة من تلك الحالات، لا سيما إذا كان
الساحب من المحترفين المُحتالين وأصحاب السوابق، وأن يقوم كل بنك بإخطار جميع البنوك
بمنع الساحب من إصدار شيكات مستقبلاً، ولمنع إعطائه دفتر شيكات من البنك الذي يتعامل
معه. وإلى نص الحوار:
• في البداية بوجهة نظرك ما هي أسباب تفاقم ظاهرة الشيك بدون رصيد وتكدس القضايا في
المحاكم؟
= تُشير الإحصاءات إلى أن عدد البلاغات الجنائية التي قدّمت إلى قسم جرائم الشيك بمركز
أمن العاصمة بلغت في العام الماضي 2017م حوالي 25 ألف بلاغ جنائي، ومثلهم في العام
الحالي 2018م حتى تاريخه.
وتختص بنظر قضايا جنح الشيكات بدون رصيد من الناحية الجنائية، خمس دوائر في محكمة الجنح،
تعمل على مدار الأسبوع. وتصدر عن هذه الدوائر مئات الأحكام الحضورية والغيابية على
المتهمين بهذه الجريمة، ويقبع عشرات المدانين من الأفراد بجرائم الشيك في السجون، يقضون
فترة عقوبتهم بالحبس لمدد متفاوتة وفقاً لظروف كل قضية، بينما تلاحق شرطة تنفيذ الأحكام
المئات من المحكوم عليهم غيابياً لإعلانهم بتلك الأحكام، لتمكينهم من الطعن عليها بالمعارضة
لتصبح بعدها نهائية.
وعلى مدى السنوات الماضية، جرت عدة محاولات من جهات الاختصاص لوضع الحلول التي تسهل
القضاء على ظاهرة جريمة الشيك بدون رصيد أو التخفيف منها، إلا أن تلك الجهود لم يُحالفها
التوفيق، واستمرت الجريمة في صعودها المستمر من سنة إلى أخرى، إلى أن وصلت هذه الظاهرة
إلى معدّلات خطيرة، بما يتعين العمل على إيجاد حلول جذرية لهذه الجريمة التي تعتبر
من أكثر الأفعال المُجرّمة ارتكاباً في دولة قطر، وباتت تلقي أعباء إدارية كبيرة على
الأجهزة الأمنية (الشرطة) والنيابة العامة والمحاكم. وقد أصبحت هذه الجهات مكلّفةً
بتحصيل ديون المستفيدين من الشيكات الذين أخطأ معظمهم في التعامل مع أشخاص غير جديرين
بالثقة وقبلوا منهم شيكات تبيّن فيما بعد أنها بدون رصيد لدى البنوك.
البنوك وظاهرة الشيك
•• في رأيك ما هو المطلوب من البنوك لمواجهة هذه الظاهرة والحد منها؟
• للأسف، فإن جميع البنوك العاملة في الدولة ساهمت في تفاقم هذه الظاهرة، ووقفت موقف
المتفرّج دون المساهمة منها للتخفيف من حدتها، والتي ولدت أصلاً من عقر دارها. بتسليمها
دفاتر الشيكات المطبوعة لعملائها دون ضوابط أو رقابة حقيقية، عبر نظام يقوم على تصنيف
عملائها بفرز الجديرين منهم للحصول على تلك الدفاتر، وغير الجديرين بذلك، فأصبحت دفاتر
الشيكات المصدر الأساسي لانتشار هذه الجريمة. وجميع البنوك تعلم يقيناً بذلك إلا أنها
تتمادى في صرف دفاتر الشيكات لجميع عملائها دون تمييز، حتى لو كان البعض منهم من أصحاب
السوابق في جرائم الشيك، بأفعالهم المتعدّدة.
واستناداً إلى جميع تلك الحقائق المعلومة لدى معظم الأفراد في المجتمع، سواء من العاديين
منهم أو المختصين في المؤسسات المالية المختلفة والبنوك والتجار، والجهات الأمنية والاجتماعية،
ومؤسسات المجتمع المدني، والنيابة العامة والمحاكم، فإن الأمر يتطلب تضافر جهود الجميع
للحد من هذه الظاهرة الخطيرة التي تفرز توابع سلبية على المجتمع والدولة.
الحماية الجنائية للشيك
• طالبت منذ وقت طويل بإلغاء الحماية الجنائية التي وفرها المشرّع القطري للشيك في
قانون العقوبات للحد من الظاهرة.. إلى أي مدى تنجح هذه الخطوة في تحقيق هذا الهدف؟
= تجدر الإشارة إلى أن ظاهر الشيكات بدون رصيد هي ظاهرة عالمية وليست محلية، ويختلف
حجمها من بلدٍ لآخر بحسب ظروف كل بلد، بما تتعدّد معه أساليب مُعالجتها من دولةٍ إلى
أخرى. وقد وصل الأمر ببعض الدول الغربية إلى إلغاء جريمة الشيك بدون رصيد من تشريعاتها
العقابية، اكتفاءً بالتدابير الوقائية والجزاءات المدنية التي أثبتت جدواها في انخفاض
جرائم الشيك بدون رصيد، بينما ما زالت جميع الدول العربية تفرض الحماية الجنائية على
الشيك، ضماناً لقيامه بأداء وظيفته التي تقوم مقام النقود في التعامل.
• والسؤال الذي يطرح نفسه، لماذا لم ينجح التجريم، وتنجح الحماية الجنائية التي قرّرها
المشرّع القطري بنص المادة (375) من قانون العقوبات في الحد من ظاهرة الشيك بدون رصيد
التي باتت في ازدياد، سنةً بعد أخرى؟
= سوف نتناول الإجابة على هذا السؤال على النحو الآتي:
الوظيفة الرئيسية للشيك أنه أداة وفاء وليس أداة ائتمان، فهو يغني عن استعمال النقود
في المعاملات، فبدلاً من أن يدفع المدين مبلغاً من النقود لدائنه وفاءً لدينه، فإنه
يحرّر شيكاً لصالح دائنه وفاءً للدين. واستقرّت أحكام محكمة التمييز على أن الشيك إذا
ما استوفى شرائطه القانونية يعتبر أداة دفع ووفاء ويستحق الأداء لدى الاطلاع، ويغني
عن استعمال النقود سواء بسواء ويجري مجراها.
وتأكيداً على أن الشيك أداة وفاء، نصّت المادة (580) من قانون التجارة القطري على أن:
(يكون الشيك مستحق الوفاء بمجرد الاطلاع عليه...) والقانون جعل الشيك أداة وفاء ليكون
في نفس مرتبة التعامل بالأوراق النقدية ويجري مجراها.
وعندما فرض القانون الحماية الجنائية لورقة الشيك إنما فرضها لاعتبار أن الشيك أداة
وفاء تقوم مقام النقود في التعامل، ولقد ساير المشرّع القطري ما استقرّت عليه معظم
التشريعات العقابية المقارنة بمعاقبة كل من أعطى بسوء نية شيكاً لا يُقابله رصيد، وطبقاً
لنص المادة (357) من قانون العقوبات القطري يُعاقب بالحبس لمدة لا تقل عن 3 أشهر ولا
تجاوز 3 سنوات أو بالغرامة التي لا تقل عن 3 آلاف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل
من ارتكب بسوء نية إعطاء شيك لا يقابله رصيد.
من هنا، فإن الحماية الجنائية التي فرضها المشرّع على ورقة الشيك أساسها إضفاء الثقة
على هذا الصك باعتباره أداة وفاء يقوم مقام النقود ويكون مستحق الدفع بمجرد الاطلاع
عليه. ويهدف المشرّع من فرض هذه الحماية ضمان قيام الشيكات بأداء وظيفتها الاقتصادية
في المعاملات، وضمان الوفاء بالمبالغ المدوّنة بها حمايةً للمستفيدين، ومعاقبة كل من
يسيء استعمال الشيكات بغية الاستيلاء على أموال الغير بتحرير شيكات ليس لها مقابل أو
رصيد لدى البنك المسحوب عليه الشيك بما يؤدي إلى زعزعة الثقة في الشيك على أنه أداة
وفاء مثل النقود، بما يُصبح معه الشيك غير قادر على أداء الوظيفة التي خلق من أجلها،
فكان فرض الحماية الجنائية على التعامل بالشيكات عن طريق فرض عقوبة جنائية تتمثل في
الحبس أو الغرامة المالية.
نخلص من ذلك إلى أن فرض الحماية الجنائية على ورقة الشيك جاءت بحسب أنها أداة تقوم
مقام النقود في المعاملات، وتكون مستحقة الدفع بمجرد الاطلاع عليها.
• البعض يستخدم الشيك في حالات البيع بالتقسيط أو التأجير بتواريخ مستقبلية وغيرها
من الاستعمالات اليومية؟
= في حالة ما إذا عمد الأفراد إلى استخدام الشيك خارج نطاق وظيفته الأساسية وتم التعامل
بهذه الورقة باعتبارها أداة ضمان أو ائتمان، بمعنى أن المستفيد من الشيك عند قبوله
تسلّم هذا الشيك من الساحب إنما تسلّمه وقبله وأخذه من المستفيد لا كأداة وفاء وإنما
كأداة ضمان لالتزامٍ سوف يقع على الساحب، وهو التزام مستقبلي غير قائم وحال وقت إصدار
الشيك مثلما يجري عليه العمل في حالات البيع بالتقسيط، أو استلام المؤجّرين لشيكات
مقدماً بعدد أشهر السنة من المستأجرين مقدماً بتواريخ مستقبلية لأجرة الأعيان المؤجّرة،
أو عند قيام بعض البنوك بعمليات الإقراض وحصولها مقابل ذلك على شيكات موقّعة على بياض
من المقترضين لضمان مبلغ القرض، أو قيام المقاولين بتقديم شيكات على بعض الدفعات التي
يقوم أرباب الأعمال بسدادها إليهم، أو شيكات لضمان تنفيذ الأعمال، وغيرها من الحالات
التي يستخدم فيها الشيك بعيداً عن وظيفته الأساسية. إذ يستخدم الشيك في جميع تلك الحالات
بمثابة ورقة ضمان أو كفالة لالتزام مستقبلي قد يترتب في ذمة المدين، عن معاملات مدنية
أو تجارية تحكمها قواعد القانون الخاص. وقد أكدت محكمة التمييز في حكم حديث لها بالرقم
55 لسنة 2014 الصادر في 20/10/2014م على ذلك، إذ قرّرت: (أن الشيك المعرّف عنه في
قانون المعاملات التجارية هو أمر من الساحب إلى المسحوب عليه غير معلّق على شرط بوفاء
مبلغ معين من النقود إلى المستفيد، وأنه لذلك يعتبر أداة وفاء ويغني عن استعمال النقود
في المعاملات وهو في الأصل ينطوي على سبب إصداره وهو وفاء الساحب بدين على المستفيد،
غير أنه لا يكون أحياناً أداة وفاء، وإنما أداة ضمان يضمن بمقتضاه الساحب الوفاء بدين
أو التزام على آخر إذا لم يوفه الأخير، وفي هذه الحالة يفقد الشيك طبيعته ويصير بمثابة
كفالة تدور وجوداً وعدماً مع الدين أو الالتزام المكفول ويخضع عندئذٍ لكافة أحكام الكفالة).
مؤدى حكم محكمتنا العليا أنه إذا ما ثبت أن ورقة الشيك استخدمت كأداة ضمان فإن الشيك
يفقد طبيعته كأداة وفاء ويصبح بمثابة كفالة بما لازمه انحسار الحماية الجنائية عن هذه
الورقة.
والحقيقة التي يجب لفت النظر إليها أن الشيك في قطر يستعمل في حالات كثيرة كأداة ضمان
كما أسلفنا، وإذ كان الأمر كذلك فإنه يلزم عدم تمتع هذه الشيكات بالحماية الجنائية
لسبب بسيط، هو أن علاقات الضمان بين الأفراد تحكمها قواعد القانون المدني وقانون التجارة،
ومن غير المناسب أن نسحب الحماية الجنائية على هذه العلاقات والمعاملات المدنية والتجارية،
بفرض عقوبة الحبس على أحد أطراف هذه العلاقة، وغالباً ما يكون هو ساحب شيك الضمان،
وهو نوع من الإكراه البدني لاقتضاء الحقوق المدنية والتجارية بما يمس ذلك وينتهك حريات
الأفراد.
• ما هي الخلاصة التي خلصت إليها من خلال فحصك لعدد كبير من القضايا المتعلقة بالشيكات
؟
= واقع الحال أن غالبية المتورّطين في قضايا الشيكات بدون رصيد استخدموا الشيك استخداماً
خاطئاً كأداة ضمان وليس كأداة وفاء، ويبدو واضحاً من تلك القضايا أن المستفيدين من
تلك الشيكات وافقوا على تسلّم تلك الشيكات وهم على علم ودراية تامة بأنهم تسلّموها
ضماناً لالتزامات آجلة غير محققة.
و نشير هنا إلى أن توفير الحماية الجنائية للشيكات بالرغم من الاستخدام الخاطئ لها
من الأفراد سهّل للبعض استغلال هذه الحماية وجعلها أداة ضغط وإكراه لإجبار الساحب على
سداد مبالغ قد تكون غير مستحقة بما يلزم معرفة سبب الالتزام الذي أُعطيت من أجله هذه
الورقة، وهو أمر لا يدخل في اختصاص القاضي الجنائي.
وقد أضحت الحماية الجنائية سبباً رئيسياً من أسباب زيادة عدد جرائم الشيك بدون رصيد
لأن هذه الحماية عملياً لم تقتصر على ورقة الشيك باعتبارها أداة وفاء، بل شملت حتى
شيكات الائتمان والضمان، بما ساعد على انتشار استعمال ورقة الشيك كأداة ضمان وقبولها
في التعاملات لأنها مضمونة بالحماية الجنائية، وفي اعتقادنا أن تقليص الحماية الجنائية
عن شيكات الضمان سوف يؤدي إلى عزوف الأفراد عن التعامل بهذه الشيكات.
ومن ناحية أخرى فإن شمول الحماية الجنائية لشيكات الضمان وجعلها غطاءً لضمان تحصيل
الدائنين لديونهم، دفع هؤلاء الدائنين إلى الدخول في صفقات تجارية ومالية مع الغير
دون التأكد من ملاءتهم المالية أو حصولهم على ائتمان كافٍ، معتمدين فقط على ورقة الشيك
المشمولة بالحماية الجنائية وقبولها كأداة ضمان أو سند كفالة مقابل ما أقرضوه من أموال
أو ما أبرموه من صفقات تجارية ومالية مع هذا الغير. وواقع الحال يؤكد ذلك، إذ أن هناك
الكثير من القضايا المعروضة على المحاكم الجنائية والمدنية على السواء سببها أن الدائن
أعطى أو أقرض المدين أموالاً بضمان شيك أو عدد من الشيكات موقّعة وصادرة من المدين،
وتسلّمها الدائن على سبيل ضمان تلك المعاملات المالية ولا يقابلها أثناء تسلّمه أو
مستقبلاً رصيد، وأصبحت هذه الشيكات أوراقاً عادية لا تساوي المداد الذي كتبت به، اللهم
سوى أن تكون سنداً للمديونية.
وتجدر الإشارة إلى أن الكثير من المواطنين فقدوا الكثير من أموالهم نتيجة قبولهم لشيكات
ضمان مقابل صفقات مالية وقروض أبرمت مع وافدين أجانب غادروا البلاد بعد استيلائهم على
تلك الأموال أو حكم على بعضهم جنائياً ويقبعون حالياً في السجون لصدور أحكام جنائية
بحقهم بعد أن تصرّفوا في ما حصلوا عليه من أموال مقابل شيكات الضمان التي أصدروها.
من هنا نرى مُراجعة مدى جدوى فرض الحماية الجنائية للشيكات بما يقتضي الموازنة بين
اعتبارين متقابلين هما حاجة المجتمع المالية والتجارية والاقتصادية إلى أن يكون الشيك
أداة وفاء يقوم مقام النقود، بما يتطلب ذلك استمرار الحماية الجنائية المقرّرة تأكيداً
وتكريساً لمصداقيته في التعامل، وبين تفادي الأضرار والآثار السلبية الاجتماعية والاقتصادية
المترتبة على فرض هذه الحماية والتي تشمل شيكات الضمان، بما يؤدي إلى ارتفاع نسبة جرائم
الشيكات في المجتمع، وعدم تراجع هذه النسبة بل زيادتها سنوياً، مع ما يترتب على ذلك
من أضرار تصيب الأفراد والاقتصاد.
• إذن يمكن القول إن أحد أسباب الظاهرة هو استخدام الشيك كأداة ضمان في كثير من المعاملات؟
= يمكن القول أن البيئة التجارية للشيك هي التي تحدّد الغرض من استخدامه إن كان أداة
وفاء أو ائتمان، والملاحظ أن وظيفة الشيك واستعماله كأداة ضمان في كثير من المعاملات
والتي عرضنا لجزء منها تشهد ارتفاعاً ملحوظاً، بينما يتراجع استعمال الشيكات كأداة
وفاء، ذلك أن هناك قطاعات حكومية وتجارية واقتصادية باتت لا تقبل التعامل المالي في
وقتنا الحالي إلا باستخدام وسائل الدفع الحديثة ومنها البطاقة الدائنة المعروفة ببطاقة
الصرف الآلي، وتعد أوسع أنواع البطاقات انتشاراً في معظم دول العالم وهي تمكّن العميل
من الوفاء بقيمة السلع والمشتريات والخدمات بدلاً من الوفاء النقدي أو الشيكات، وقد
غطّت بطاقة الصرف الآلي الكثير من المعاملات اليومية وحلّت محل الشيك، ولم تعد هناك
ثمّة حاجة لاستعمال الشيك في هذه المعاملات. من هنا، فإن التشريعات الحديثة سواءً في
الدول الأوربية وفي الولايات المتحدة الأمريكية، ومع انتشار استعمال وسائل الدفع الحديثة
وحلولها محل الشيك وتطوّر العمل المصرفي لديها، عمدت إلى تقليص الحماية الجنائية للشيك،
وعلى سبيل المثال في فرنسا تم حذف وإلغاء جريمة الشيك بدون رصيد من قوانينها ما عدا
بعض الجرائم المرتبطة بها، وسويسرا وألمانيا لا تجرّمان واقعة إصدار شيك بدون رصيد،
وإن كان يُعد عملاً غير مشروع.
وثبت أن إلغاء هذه الجريمة قلل عدد المنازعات والقضايا المتعلقة بالشيك أمام المحاكم
بانقضاء الدعاوى الجنائية مع بقاء التعويضات المدنية لهذه الدعاوى.
ومع حدوث هذه التغييرات بفضل أدوات ووسائل الدفع الحديثة في المعاملات المالية، والتي
أزاحت الشيك عن مركزه كأداة تقوم مقام النقود في المعاملات، وانتفاء الحاجة إليه في
الكثير من الصفقات التجارية والخدمية وغيرها، بات من الضروري أن تتجاوب التشريعات العقابية
مع الحاجات العملية حفاظاً على حُسن سير المعاملات، وعدم حدوث اضطرابات في الحياة الاقتصادية
والمالية، وكذلك حماية حقوق وحريات الأفراد بما يتطلب كل ذلك اتخاذ منهج جديد في مواجهة
جريمة إصدار شيك بدون رصيد، وذلك في اعتقادنا بتضييق الحماية الجنائية المقرّرة للشيك
حتى لا تكون هذه الحماية الجنائية هي السبب في زيادة وعدم القضاء أو تخفيف معدلات جرائم
الشيك التي تشهد تزايداً كبيراً في بلدنا كما أسلفنا، خلافاً لما يحدث في كثير من الدول
المتقدمة التي ألغت جريمة الشيك بدون رصيد من قوانينها بعد أن تحققت من أن فرض الحماية
الجنائية على ورقة الشيك لم يعد مناسباً أو ضرورياً مع التطور الكبير في وسائل الدفع
الحديثة وإقدام الأفراد وتشجيعهم على استخدامها، وهي أمور باتت محققة في معظم معاملاتنا
اليومية سواء في الجهات الحكومية أو القطاع الخاص من متاجر وجهات خدمية.
القانون وفقا لأخر تعديل - قانون رقم (11) لسنة 2004بإصدار قانون العقوبات
284 قضية شيك بدون رصيد في
يوم واحد