جريدة الوطن - الثلاثاء 27
أغسطس 2019م
استقلالية
ذاتية لعمل القاضي
فيينا-
الوطن
انطلقت بمقر منظمة الأمم المتحدة بالعاصمة النمساوية
فيينا أمس فعاليات ورشة عمل الخبراء حول «دور الحصانات القضائية في تأمين النزاهة القضائية»
والتي ينظمها مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة UNODC بناء على مقترح تقدمت
به دولة قطر ممثلة بالمجلس الأعلى للقضاء على مدار يومين.
وتشارك قطر في أعمال الورشة بوفد رفيع المستوى يرأسه سعادة الدكتور حسن بن لحدان الحسن
المهندي، رئيس المجلس الأعلى للقضاء رئيس محكمة التمييز.
تناقش الورشة عددا من القضايا والمحاور الهامة ذات الصلة بالنزاهة القضائية من بينها:
الضمانات الصريحة المقدمة من جانب الدولة تجاه قضائها المستقل بعدم ممارسة أي ضغط سياسي
من جانب السلطتين التنفيذية والتشريعية على القضاء كذلك التوافق حول إجراءات تقييم
وتعيين القضاة وأعوانهم بما يتوافق مع مبادئ الحصانة القضائية.
وتتعرض الورشة بالنقاش للضمانات المقدمة للقضاة التي تحمي وظائفهم وإطارها الزمني ومكتسباتهم
المادية وسن التقاعد والشوط الزمني لبقائهم في المنصب، إضافة إلى إيجاد موجهات لتوفير
أفضل شروط إدارة المسار المهني للقضاة تضمن عدالة إجراءات الترقية والمحاسبة في آن
واحد.
كما تناقش الورشة التي تجمع قضاة وخبراء أكاديميين ومدراء إدارة التخطيط والجودة والرقابة
القضائية وفق آلية تمثيل فئوي لقارات العالم الخمس، أهمية إيجاد توازن بين مسؤوليات
القضاة المهنية والإدارية وبينها وبين الرواتب والبدلات التي يتقاضونها، علاوة على
ضرورة توفر بيئة عمل مناسبة ساندة.
بدأت الجلسة الافتتاحية للورشة بكلمة ترحيبية لسعادة السيد جون براندولينو مدير قسم
شؤون المعاهدات لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة أكد خلالها على أهمية
المحاور والموضوعات التي تناقشها جلسات الورشة على مدار يومين معربا عن أمله في أن
تفضي إلى نتائج ملموسه تعزز النزاهة القضائية حول العالم، مشددا على تقديره للمبادرة
القطرية التي دعت لهذا الاجتماع وحسن اختيار الموضوع الذي ترجمه التفاعل العالمي مع
الدعوة لها.
ثم ألقى سعادة الدكتور حسن بن لحدان الحسن المهندي، رئيس المجلس الأعلى للقضاء رئيس
محكمة التمييز، كلمة أكد في مستهلها أن (الحصانة القضائية) تمس وتر عمل القضاة الحساس
تجاه ما يمكن أن يمتهنها سواء بالذات أو الموضوع من مؤثرات سلبية تسعى للتأثير على
نزاهة قرار القاضي، وبالضد من القاسم المشترك الذي يجمع كل قضاة العالم، والمتعلق بالسعي
لتحقيق العدالة الناجزة.
وأضاف سعادته: قد تختلف التفسيرات هنا وهناك تجاه موضوع الحصانة القضائية، بين من يراها
حصنا منيعا يضع القضاة في برج عاجي بعيد عن المسائلة المهنية والقانونية الفاحصة للأداء
وشفافيته ونوعيته المهنية، فيتسلل إلى هذا البرج شعور بالمنعة من المساءلة والمحاسبة
والمتابعة، فيصاب العمل القضائي بالخدر والتقاعس وربما الفساد الذممي أيضا بينما هناك
طرف آخر يرى هذه الحصانة، أداة حماية لطبيعة المهنة والقائمين عليها من سلطان أيّ سُلْطة
أخرى قد تختلف توجهاتها مع مسار العدالة التي لا تراعي إلا الحق والقانون في اعتبارات
قراراتها.
وبين رئيس المجلس الأعلى للقضاء نطاق ولاية الحصانة القضائية للمهنة القضائية مستعرضا
على سبيل القياس أنواع الحصانات المهنية السائدة بمفاعيل دولية في الوقت الحالي ولاسيما
تلك التي تعرف بالحصانة الدبلوماسية التي نظمتها اتفاقية فيينا لتنظيم العلاقات الدبلوماسية
لعام 1961م، والتي تستند إلى مبدأ تسهيل أداء المهنة تجاه التدخل والعرقلة من طرف خارجي،
لضمان حرية أداء المهنة الدبلوماسية تبعا لطبيعتها ومتطلباتها.
كما استعرض سعادته نوعا ثانيا من الحصانات المهنية متعلقا بالحصانة البرلمانية التي
تضمن لعمل عضو المجلس التشريعي (البرلمان) قيامه بكامل أعماله البرلمانية بطريقة تضمن
له عدم فرض توجه أو رأي عليه من طرف آخر.
وأضاف سعادته: مما تقدّم يتبيّن أن نظام الحصانات الدولية المفعلة اليوم كلها تستند
إلى مبدأ طبيعة المهنة، وهذا هو المنطلق الذي قامت عليها مبادرة المجلس الأعلى للقضاء
من الأساس نحو إيجاد منهج تطبيقي ومرجعي عالمي ينظم الحصانة القضائية بمنظور عالمي.
وأوضح أن قطر سباقة في إقليمها من خلال ترسيخ استقلالية قضائية مؤسسية، إضافة إلى استقلالية
ذاتية لعمل القاضي منظمة بدستور البلاد الدائم، مشيرا إلى أن إجراءات مقاضاة القضاة
يجب أن تكون بمسار خاص يراعي خصوصية القضاء.
ونبه سعادة الدكتور المهندي إلى أن الحصانة عموماً؛ القضائية وغيرها، لا تعني ألا يُطبّق
القانون والنظام بحقّ من مُنح الحصانة، بل يسري القانون عليه وعلى غيره، وإنما المقصود
هو أن يطبق القانون وإجراءات إنفاذه على المتمتع بالحصانة القضائية بطريقة تضمن سلامة
النية والإجراء ونزاهة خلاصته.
وقال إن بعض الباحثين يرى أنّ الحصانة القضائية تعني ألا تتدخّل أي سُلطة في القضاء
فحسب، أي أنّ الحصانة للقضاء كمؤسسة وليست للقضاة كمحترفين مهنة، وهو تصور منقوص طبقا
للفهم المؤسسي القضائي المتخصص لأنه يعالج نصف المعادلة ويترك القضاة أمام فرضية تغول
جهات أخرى ضد أدائهم الفني المهني النزيه.
وأضاف سعادته: إذا طبّقنا مفهوم الحصانة المستند لمبدأ مقتضيات المهنة في مجال القضاء،
فإنه يتضح لنا جليا أن المقصود بالحصانة القضائية كما يراها المجلس الأعلى للقضاء بفهمه
وممارسته هو أن حصانة سلطة القضاء موضوع مهم بلا أدنى شك، لكنها لن تكتمل ولن تجلب
الثمار المنشودة إذا ما لم تتواءم مع الحصانة الذاتية للقضاة، بحيث يغلق الطريق أمام
أي تدخّل من جانب السلطات غير القضائية الأخرى، وبذات الوقت لا تعفي هذه الحصانات من
يسيء استخدامها من القضاة وأعوانهم ومؤسساتهم من طائلة القانون.
وختم سعادته بالقول إن إجراءات مقاضاة من يخل من القضاة بشرف المهنة والقوانين السائدة،
يجب أن تكون بمسار خاص يراعي خصوصية المهنة والحاجة لصيانة صورتها الانطباعية لدى الرأي
العام دون أن يمنح القاضي المعني حصانة استثنائية تحصنه من عقوبة استحقها بموجب خلاصة
وصلت إليها مسارات التحقيق والمحاكمات العادلة المستندة لمرجعية النظام والقانون حصرا.
يذكر أن اليوم الأول للورشة قد شهد عقد جلستين الأولى تتعلق بأهمية دور الحصانات القضائية
وصلتها بحماية استقلالية القضاء وقد استعرض خلالها السيد جيريمي كوبر الخبير بمكتب
الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة بشكل مفصل مسببات وأهمية دور الحصانات القضائية
في الحفاظ على استقلالية القضاء وصلة ذلك بعمل شبكة النزاهة القضائية العالمية وذلك
وفق مخطط ورقة عمل المناقشة الخاصة.
أما الجلسة الثانية فقد ناقشت الحصانات القضائية بالمعنى المهني الأكثر دقة، وآليات
الاستقلالية عن التدخل السياسي، والمساءلة ضد الاستقلالية بالاستناد على نماذج عالمية
مستقاة من تجارب عينات متميزة من السلطات القضائية في قارات العالم الخمس.
وتطرقت كذلك إلى التعريف الصريح لنطاق وحدود الحصانات القضائية التقليدية علاوة على
فكرة ضمان الدولة الصريح لاستقلال القضاء تجاه عدم ممارسة الضغط السياسي من جانب السلطتين
التنفيذية والتشريعية.
كما تناولت الجلسة فكرة إنشاء منتديات مستقلة قادرة على الدفاع عن القضاة ضد حملات
التشهير الإلكترونية بوسائل الإعلام التقليدي والإلكتروني ضد القضاة ومؤسساتهم، إضافة
إلى مكافحة تأثير المجموعات والأفراد خارج حدود نطاق القضاء «السياسيين، الأثرياء النافذين،
شبكات الجريمة المنظمة».
كما تطرقت كذلك إلى الدعوة للعمل على تقليل وجود الإجراءات المعقدة التي يمكن استغلالها
لإخفاء وتغطية السلوك الفاسد في المؤسسة القضائية.
لقاءات على هامش الاجتماع
كما التقى أمس سعادة الدكتور حسن بن لحدان المهندي رئيس المجلس الأعلى للقضاء رئيس
محكمة التمييز سعادة السيد يوري فوديتوف مدير عام مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات
والجريمة، وذلك على هامش الزيارة التي يقوم بها سعادة رئيس المجلس الأعلى للقضاء حاليا
إلى فيينا للمشاركة في فعاليات ورشة «دور الحصانات القضائية في تأمين النزاهة القضائية»
التي نظمها مكتب الأمم المتحدة حول الجريمة والمخدرات على مدار يومين وكذلك الأجتماع
الاستشاري الثالث للشبكة العالمية للنزاهة القضائية الذي سيعقد خلال الفترة من 28 إلى
29 أغسطس الجاري.
وقد ناقش د. المهندي مع السيد يوري فوديتوف علاقات التعاون المشترك بين المجلس الأعلى
للقضاء ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة وسبل تعزيزها.
ومن المقرر أن يترأس سعادة الدكتور حسن بن لحدان الحسن المهندي وفد الدولة المشارك
في الاجتماع الثالث للمجلس الاستشاري للشبكة العالمية للنزاهة القضائية الذي يعقد خلال
الفترة من 28 إلى 29 أغسطس الجاري.
وقد أدرجت على أولوية برنامج مناقشاته آخر التطورات المتعلقة بخطة سير عمل شبكة النزاهة
القضائية العالمية خلال الفترة ما بين 2018 و2019 وكذلك الجهود التي قام بها جميع أعضاء
المجلس الاستشاري للترويج ولتعزيز عمل الشبكة خلال عام 2019 والفرص المستقبلية الكامنة
لضمان ديمومة عمل الشبكة ولاسيما منها المبادرات القطرية ذات الصلة بتعزيز عمل النزاهة
القضائية العالمي.
وسوف يناقش المشاركون كذلك خلاصة المعلومات النهائية التي سيتم تقديمها في الاجتماع
الثاني والمبادئ التوجيهية الخاصة بتنظيم وتنسيق أعمال المجلس الاستشاري إضافة إلى
تقرير عن إنجازات الشبكة منذ إعلانها.
يشار إلى أن أعضاء المجلس الاستشاري للشبكة العالمية للنزاهة القضائية كانوا قد تبنوا
خلال الاجتماع التشاوري الثاني الذي عقد في الدوحة في يناير الماضي مقترح سعادة رئيس
المجلس الأعلى للقضاء، بضم الحصانة القضائية كملف رابع لملفات مؤتمر الدوحة القادم،
أدراكا لرؤية المجلس الأعلى للقضاء لأهمية هذا الملف الذي من شأنه أن يقدم ضمانة حامية
للنزاهة القضائية دون اعتبارها امتيازاً بحد ذاته، أخذاً بنظر الاعتبار أن من بين وسائل
ترسيخ نزاهة القضاء أن يكون القاضي محصناً من الدعاوى الكيدية وحملات التشويه المخطط
لها من هذا الطرف أو ذاك للتأثير على نزاهة قراره القضائي.
القانون وفقًا لأخر تعديل - قانون رقم (10) لسنة 2003 بإصدار قانون السلطة القضائية
تعدد درجات التقاضي لتحقيق مرامي العدالة ونزاهة القضاء
المري : ضمان تحقيق العدالة وسيادة القانون ونزاهة القضاء أهم مقومات الدولة