جريدة الوطن - الاثنين 18
نوفمبر 2019م
إرادة وطموح
تحتفل سلطنة عمان اليوم، الثامن عشر من
نوفمبر، بيومها الوطني التاسع والأربعين باعتزاز وإرادة صلبة، وبعزم وطموح كبيرين،
وبامتنان مقرون بالحب والولاء والعرفان لباني نهضة عمان الحديثة جلالة السلطان
قابوس بن سعيد. وفي حين أكد جلالة السلطان قابوس بن سعيد أن ما تحقق من منجزات على
امتداد أرض عمان الطيبة إنما هو ثمرة جهود وتعاون ومشاركة أبناء عمان الأوفياء في
كل المواقع والميادين رجالا ونساء شيبة وشبابا، فإن أبناء الوطن على امتداد هذه
الأرض الطيبة الذين يحيطون جلالته بعيونهم وقلوبهم وأفئدتهم ويدركون تماما أن حكمة
وبعد نظر جلالته وحبه العميق لعمان، وطنا ومواطنا، وتكريس جلالته كل وقته من أجل ما
يحقق صالح عمان وأبنائها في الحاضر والمستقبل، قاد عمان، دولة ومجتمعا، إلى بر
الأمان، وحقق ويحقق لها الأمن الاستقرار والازدهار، رغم التحديات والتطورات التي
تشهدها المنطقة على امتداد السنوات الماضية، وهو أمر بالغ المعنى والدلالة والوضوح
على كافة المستويات.
وبالرغم من أن الأعوام التسعة والأربعين الماضية ليست فترة طويلة في عمر الشعوب،
إلا أنها شهدت في الواقع نقلة نوعية وكمية تنموية وحضارية في كل مجالات الحياة على
امتداد أرض عمان الطيبة، وعلى نحو يحقق ما تمناه وخطط له جلالة السلطان قابوس،
مرحلة بعد أخرى لبناء الدولة العمانية العصرية التي تقوم على مبادئ وقيم المساواة
والمواطنة وحكم القانون، وعلى تعاون وتكامل المؤسسات ومشاركة المواطنين في صياغة
أهداف التنمية الوطنية وتنفيذ برامجها في كل المجالات.
وفي هذا الإطار، فإنه في حين يحرص الكثير من قادة العالم على الاستئناس برأي جلالة
السلطان قابوس بن سعيد وتقييمه الحكيم والبعيد النظر لمختلف التطورات الإقليمية
والدولية، فإن المؤتمر العالمي الأول للتراث البحري الذي عقد في سنغافورة في منتصف
مارس الماضي قدم جائزة القيادة المتميزة لجلالته، تقديرا للاهتمام السامي بتراث
السلطنة البحري وتعزيزا لمكانتها البحرية على الخريطة الدولية، ولم تكن الجوائز
الرفيعة والعديدة التي حققتها سفينة شباب عمان الثانية التابعة للبحرية السلطانية
العمانية خلال مشاركتها في عدد من المهرجانات الدولية في رحلتها صواري المجد
والسلام إلى القارة الأوروبية هذا العام، سوى نموذج بالغ الدلالة في هذا المجال.
وعلى صعيد آخر، فإن ما تحتضنه السلطنة من اجتماعات ولقاءات خليجية وعربية وإقليمية
ودولية وما تقوم به من أنشطة دبلوماسية متعددة المستويات والاتجاهات يجسد في الواقع
الوضوح والصراحة والتفاني العماني في العمل بإخلاص لصالح أمن واستقرار وازدهار
المنطقة بكل دولها وشعوبها، وحل كل الخلافات بالحوار الأخوي وبالطرق السلمية حتى
تتمكن شعوب المنطقة جميعا من التفرغ لبناء حياتها على النحو الذي تريده، وعلى أسس
من الاحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير، وحسن الجوار،
والتعاون الإيجابي لتحقيق المصالح المشتركة والمتبادلة لكل الأطراف، ومن المأمول أن
تثمر الجهود والتحركات العمانية خليجيا وإقليميا وعربيا بتحقيق آمال وتطلعات شعوب
المنطقة نحو نمو أفضل.
ولعل مما له دلالة في هذا المجال أن السلطنة، وهي رئيسة الدورة الحالية لمجلس
التعاون لدول الخليج العربية، قد احتضنت عمان باعتزاز كل اجتماعات هيئات ولجان
ومجالس مجلس التعاون الخليجي بحضور ممثلي كل الدول الأعضاء في المجلس تمهيدا
وإعدادا لاجتماعات المجلس الأعلى لأصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس.
وبينما دعت سلطنة عمان وترحب دوما بأي جهود مخلصة وبناءة لإنهاء الحروب والمواجهات
القائمة في عدد من دول المنطقة وفي مقدمتها الجمهورية اليمنية الشقيقة وتسعى للتوصل
إلى حلول سلمية تفتح المجال أمام توافق أكبر بين شعوبها لبناء حاضرها ومستقبلها على
النحو الذي تريد، فإنه في إطار العمل على تخفيف التوتر في منطقة الخليج وتأمين حرية
الملاحة في الممرات المائية وخاصة مضيق هرمز الاستراتيجي الذي تقع ممراته ضمن نطاق
المياه الإقليمية العمانية، قالت السلطنة في كلمتها أمام الدورة الرابعة والسبعين
للجمعية العامة للأمم المتحدة في 28 سبتمبر الماضي: «إنه من منطلق سيادة السلطنة
الوطنية ومسؤولياتها الدولية في الإشراف المستمر على هذا الممر للتأكد من سلامة
الملاحة وضمان حركة المرور الآمن للسفن العابرة في هذا المضيق الحيوي، فإن السلطنة
تدعو جميع الدول للتعاون البناء واحترام خطوط الفصل الملاحية وفقا لاتفاقية الأمم
المتحدة لقانون البحار، كما دعت كافة الأطراف إلى عدم التصعيد وحل الخلافات
بالوسائل الدبلوماسية بما يجنب المنطقة أي عواقب قد تكون لها انعكاسات خطيرة على
حرية الملاحة وحركة التجارة الدولية والاقتصاد العالمي».
وتؤكد السلطنة دوما دعمها للشعب الفلسطيني والحقوق الوطنية بما في ذلك حقه في إقامة
دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية في إطار حل الدولتين، كما قررت السلطنة في
يونيو الماضي إنشاء بعثه دبلوماسية عمانية جديدة في رام الله على مستوى سفارة لدى
دولة فلسطين الشقيقة.
واستنادا إلى الأسس والمرتكزات التي وضعها جلالة السلطان قابوس بن سعيد للسياسة
الخارجية للسلطنة ولعلاقاتها مع مختلف الدول وهي معروفة ومعلنة، شهد هذا العام
العديد من الزيارات والاجتماعات على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية
وغيرها بين السلطنة والدول الشقيقة والصديقة بما يعزز المصالح المتبادلة ويدعم
ركائز الأمن والاستقرار في المنطقة.
وفي هذا الإطار، تم على سبيل المثال التوقيع على اتفاقية الدفاع المشترك بين
السلطنة والمملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية في 21 فبراير 2019،
كما تم التوقيع على اتفاقية تعاون لتطوير الروابط المشتركة بين البلدين الصديقين في
22 مايو 2019، وكانت السلطنة قد أقامت شراكة استراتيجية بينها وبين جمهورية الصين
الشعبية في مايو عام 2018م وترتبط بعلاقات طيبة ووثيقة مع كل من الهند والولايات
المتحدة وإيران وغيرها من الدول على امتداد العالم، وهو ما ينعكس إيجابا على علاقات
السلطنة وجهودها السياسية والتنموية أيضا.
وعلى الصعيد الداخلي، فإنه ليس من المبالغة في شيء القول إن الاحتفال باليوم التاسع
والأربعين من مسيرة النهضة العمانية الحديثة يشهد زخما تنمويا كبيرا ومتواصلا وعلى
نحو يضع الاقتصاد العماني على أعتاب مرحلة جديدة يستعد للدخول إليها بآفاق وأهداف
وآمال أكبر لتحقيق الرؤية المستقبلية عمان 2040، التي يتكامل الإعداد لها خلال هذه
الفترة التي ستبدأ مع بداية عام 2021، حيث يمثل عام 2020 آخر أعوام الرؤية
المستقبلية عمان 2020 وآخر أعوام الخطة الخمسية التاسعة 2016-2020.
وفي حين أبدى جلالة السلطان قابوس بن سعيد ارتياحه لما تبذله الحكومة وسائر مؤسسات
الدولة من جهود في مواصلة مسيرة التنمية الشاملة في معدلات نمو إيجابية، حافظت على
مستوى الخدمات الاجتماعية الأساسية للمواطنين في كافة أرجاء البلاد مع تنويع مصادر
الدخل وزيادة تعاون القطاع الخاص مع الحكومة في كافة قطاعات العمل الوطني، فإن
مجموعة المراسم التي أصدرها جلالته منذ بداية هذا العام تتسم بأهمية بالغة خاصة على
صعيد تعديل العديد من القوانين والتهيئة لإعطاء دفعة كبيرة لجهود تنويع مصادر
الدخل، وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، وترسيخ التعاون والشراكة بين القطاعين
العام والخاص، وإنشاء الهيئة العامة للتخصيص وإنشاء المركز الوطني للتشغيل وإصدار
نظامه بموجب المرسوم السلطاني السامي رقم 22/2019 الصادر في 28 فبراير 2019، والذي
يمثل نقلة نوعية هامة على صعيد العمل لاستيعاب الشباب الباحثين عن عمل، خاصة أنه
يتبع مجلس الوزراء ويتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري.
ولعل من الأهمية بمكان الإشارة إلى أنه في حين حرص المؤتمر الوطني للرؤية
المستقبلية «عمان 2040» الذي عقد في يناير على تحقيق أكبر مشاركة مجتمعية ممكنة
خاصة من جانب الشباب لبلورة وثيقة الرؤية المستقبلية «عمان 2040» بناء على الأوامر
السامية لجلالة السلطان قابوس وللتعبير عن أولويات المجتمع وتطلعات المواطنين
تحقيقا للأهداف المرجوة، فإن له دلالة عميقة بما يحقق المزيد من القدرة والفعالية
لمواكبة ما تتطلبه المرحلة من قبول على مختلف المستويات. وفي هذا الإطار، تم إنشاء
وزارة باسم وزارة التقنية والاتصالات بموجب المرسوم السلطاني رقم 63/ 2019 الصادر
في 14 أكتوبر، وتم تعديل وزارة النقل والاتصالات لتكون وزارة النقل بموجب المرسوم
السلطاني رقم 64/ 2019، كما تم إنشاء وزارة باسم شؤون الفنون بموجب المرسوم
السلطاني رقم 65/2019 الصادر في 14 أكتوبر، كما صدر المرسوم 66 /2019 بإنشاء جهاز
الضرائب يتبع مجلس الوزراء ويتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري،
كما تم استحداث منصب وزير الدولة ومحافظ مسندم، وتعديل المرسوم السلطاني رقم
114/2011، باعتماد التقسيم الإداري للسلطنة وتنظيم عمل المحافظين بموجب المرسوم
السلطاني رقم 97 /2019 الصادر في 14 أكتوبر 2019.
وبينما تدخل السلطنة بقوة وطموح إلى المرحلة القادمة للتنمية الوطنية بآمالها
وآفاقها الواسعة وبمشاركة أكبر من جانب الشباب وجموع المواطنين في جهود التنمية
المستدامة، فإن من أبرز ما يميز العام التاسع والأربعين من مسيرة النهضة المباركة
أنه شهد انتخابات أعضاء مجلس الشورى للفترة التاسعة التي جرت يوم 27 أكتوبر 2019 في
كل ولايات السلطنة، لانتخاب 86 عضوا هم أعضاء مجلس الشورى للفترة التاسعة بزيادة
عضو واحد عن عدد الأعضاء في الفترة الثامنة، حيث زاد عدد ممثلي ولاية لوى إلى اثنين
بدلا من ممثل واحد لها في الفترة الثامنة للمجلس.
وفي الوقت الذي اتسمت فيه انتخابات أعضاء مجلس الشورى في الفترة التاسعة التي تمتد
لأربع سنوات وتنتهي في عام 2023 بعدد من السمات المميزة لها منها أنها أظهرت وعيا
واستعدادا أكبر من جانب الناخبين العمانيين في الانتخابات، حيث بلغت نسبة المشاركة
49 % من عدد الناخبين الذين بلغ عددهم 713335 ناخبا وناخبة، وهو ما أدى إلى زيادة
مدة التصويت ساعتين في كل المراكز الانتخابية في ولايات السلطنة حتى يتم استيعاب
الناخبين الذين توافدوا إلى مراكز الانتخاب وأسفرت الانتخابات عن انتخاب 86 عضوا،
منهم امرأتان لعضوية مجلس الشورى للفترة التاسعة.
من جانب آخر، فإن انتخابات الفترة التاسعة تميزت بأنها تمت إلكترونيا في كل مراحلها
حتى فرز الأصوات، فقد تم استخدام جهاز التصويت «صوتك» للمرة الأولى في كل مراكز
الانتخابات، وهو جهاز عماني التصميم والتصنيع، كما تم استخدام نظام التصويت عن بعد
عبر أجهزة الهاتف الذكي لإتاحة الفرصة للناخبين العمانيين خارج السلطنة لاختيار
ممثلي ولاياتهم أينما كانوا في أي دولة في العالم، ومن ثم أتيحت الفرصة للناخب
العماني للإدلاء بصوته سواء كان داخل السلطنة أو خارجها.
وقد تم يوم 3 نوفمبر 2019 عقد جلسة استثنائية لمجلس الشورى بأعضائه الفائزين في
الانتخابات لانتخاب رئيس المجلس ونائبيه تمهيدا لبدء أنشطة المجلس، وكان جلالة
السلطان قابوس قد أصدر المرسوم السلطاني رقم 77 / 2019 بتعيين أعضاء مجلس الدولة
للفترة الجديدة في يوم 7 نوفمبر 2019م. ومن المعروف أن مجلس عمان يتمتع بصلاحيات
تشريعية ورقابية تضمنها النظام الأساسي للدولة الصادر بالمرسوم السلطاني رقم
101/96 الصادر في 6 نوفمبر 1996 وتعديلاته، وهي اختصاصات وصلاحيات تمكن مجلس
الشورى ومجلس الدولة من القيام بمهامهما في إطار التكامل المؤسسي للدولة العصرية،
وبما يحقق مشاركة فاعلة من المواطنين عبر المجلسين في عملية صنع القرار وتوجيه
التنمية الوطنية لتحقيق حياة أفضل للمواطن العماني. وبينما تنطلق عمان بقيادة جلالة
السلطان قابوس بن سعيد لتسير بخطى أسرع نحو أهدافها الوطنية معتمدة على جهود
أبنائها من كل قطاعات المجتمع وفي المقدمة منهم الشباب الذي يحظى برعاية سامية
مباشرة ومتواصلة وبما يتيح للمرأة العمانية القيام بدورها الوطني المنشود أيضا، فإن
قوات السلطان المسلحة والحرس السلطاني العماني وشرطة عمان السلطانية وقوات الفرق
وأجهزة الأمن تحقق تقدما وتطورا متواصلا في كفاءاتها القتالية ومختلف مهاراتها
للقيام بدورها الوطني في الدفاع عن تراب الوطن وحماية منجزاته، بفضل الرعاية
السامية لجلالة السلطان القائد الأعلى لها، وتوفير مختلف احتياجاتها للقيام
بواجباتها الوطنية، وفي مقدمة ذلك الطاقات البشرية العمانية الواعدة والمؤهلة
والمدربة على أعلى المستويات.
وقد أكد أبناء الشعب العماني الوفي دوما عرفانهم وولاءهم ووقوفهم خلف القيادة
الحكيمة لجلالة السلطان قابوس بن سعيد وتحت رايته، معاهدين جلالته على بذل الغالي
والنفيس دفاعا عن تراب الوطن وحماية منجزات النهضة المباركة، وتحقيقا لأولويات
الوطن وأهدافه التي يحددها جلالته.
إصدار الدستور الدائم لدولة قطر