جريدة الشرق - الأحد 15 شوال
1441هـ - 7 يونيو 2020م
نفقة
الأولاد بين التقاضي والتنفيذ في ضوء أحكام قانون الأسرة وقانون المرافعات
بقلم:
محمد بن أحمد الإبراهيم
النفقة هي ما يصرفه الإنسان على غيره ممن تجب
عليه نفقته من نقود وغيرها مما يحتاج إليه عادة من الطعام، الكسوة، المسكن، الدواء
والتنقل وذلك حسب المتعارف عليه في مجتمع المنفق عليه لسد حاجته، ونفقة الأب على أولاده
واحدة من القربات التي يتقرّب بها إلى الله، وله بها حسنات كثيرة، فالنفقة واجبة عليه
في حدود ما يستطيع، فإن نوى النية الحسنة في سعيه وجده لتوفير النفقة لأهل بيته فقد
كتب له بحسن قصده الأجر والثواب من الله، ومن أعظم الذنب أن يخل الرجل في نفقته على
أبنائه مع قدرته على ذلك.
ويشترط لنفقة الأب على أبنائه شروطاً منها: أن يكونوا فقراء بلا مالٍ، والثاني ألّا
يكون لهم كسب يمكِنهم به الاستغناء عن نفقة غيرهم عليهم، فإن كان لهم مال أو كسب يمكنهم
به الاستغناء فلا تجب نفقة الأب عليهم، والمشرع القطري أولى نفقة الأولاد اهتماماً
عظيماً فقد أوجب بحسب قانون الأسرة رقم (22) لسنة 2006م على الأب نفقة أولاده حيث نص
المشرع في المادة (75) من القانون على أنه تجب نفقة الولد الصغير الذي لا مال له على
أبيه، حتى تتزوج الفتاة، ويصل الفتى إلى السن الذي يتكسب فيه أمثاله ما لم يكن طالب
علم يواصل دراسته بنجاح معتاد. وتجب نفقة الولد الكبير، العاجز عن الكسب لعاهة أو غيرها
على أبيه، إذا لم يكن له مال يمكن الإنفاق منه.
وتعود نفقة الأنثى على أبيها إذا طلقت أو مات عنها زوجها، ما لم يكن لها مال، أو لم
يكن هناك غيره ممن تجب عليه نفقتها، وإذا كان مال الولد لا يفي بنفقته، ألزم أبوه بما
يكملها وفقاً للشروط السابقة، وبعدها تطرق المشرع في المادة (76) من ذات القانون على
أن نفقة المحضون في ماله، إن كان له مال، وإلا فعلى من تجب عليه نفقته. وتشمل نفقة
المحضون الطعام والكسوة والسكنى والتطبيب والدراسة والسفر للضرورة، وكل ما يعتبر من
الضروريات في العرف.
وهذا النص لم يضع تعربفاً جامعاً لكل أنواع النفقة مانعاً من دخول أنواع أخرى في نطاقه،
وإنما اقتصر على ذكر بعض أنواعها، وهي الغذاء والكسوة والمسكن وذلك على سبيل المثال
لا الحصر بإعتبارها أهم أنواع النفقة والدليل على ذلك أنه بعد تعداده للأنواع المذكورة
أردف عبارة (وكل ما يعتبر من الضروريات في العرف ).
النفقة المؤقتة:
إدراكاً من المشرع بأهمية التعجيل بصرف نفقة الأولاد فقد نص في المادة (102) من قانون
الأسرة على القاضي أثناء النظر في دعوى التفريق، أن يقرر ما يراه ضرورياً من إجراءات
وقتية لضمان نفقة الزوجة، والأولاد وما يتعلق بحضانتهم وزيارتهم.
وعادةً ما يقرر القاضي في الجلسة المحددة لسماع الدعوى نفقة مؤقتة للأبناء بناء على
طلب الزوجة أو من يمثلها قانوناً ويكون قراره مشمول بالنفاذ المعجل بقوة القانون.
وتطرق المشرع أيضاً في المادة (141) من قانون المرافعات المدنية والتجارية رقم 13 لسنة
1990م وتعديلاته على أنه في الأحوال التي يكون فيها للخصم وجه في استصدار أمر، يقدم
عريضة بطلبه إلى قاضي الأمور الوقتية بالمحكمة المختصة، وتكون هذه العريضة من نسختين
متطابقتين وتشتمل على وقائع الطلب وأسانيده، وتشفع بها المستندات المؤيدة لها.
ولقاضي الأمور الوقتية والمتسعجلة أن يصدر قرارا ًبالنفقة المؤقتة للأولاد لحين صدور
حكم منهي للخصومة في الدعوى.
تقدير النفقة:
الكفاية في النفقة مسألة أساسية عند تقدير النفقة، إذ يجب توفير الكفاية فيها متى توفرت
شروط وجوب النفقة وانتفت أسباب سقوطها وتوفرت القدرة عليها، وإن طبيعة موضوع الكفاية
تجعله يرتبط بكيفية تقدير النفقة وحدودها قلة وكثرة، كما أن تقدير النفقة يتطلب إستحضار
العناصر أو المعايير التي يستهدي بها القاضي عندما يفصل فيها، والعنصر الأول من معيار
الكفاية يعني سد الخلة بالمعروف وقد نص المشرع في المادة (74) من قانون الأسرة على
أنه تجب نفقة القرابة على المنفق سدا للخلة بالمعروف.
وتكون النفقة بالمعروف وفي هذا الصدد نرى من الفائدة التذكير بمعنى كلمة المعروف ودوره
في تقدير النفقة ذلك إن المعروف في قول الله عزوجل ( وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن
بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها ) سورة البقرة الآية رقم (233).
ويعني ذلك إن الإنفاق يكون بلا إسراف وتفسيره هو ما يعقبه وهو أن لا يكلف الأب ما ليس
في وسعه.
وأما العنصر الثاني من عناصر الكفاية في تقدير النفقة سعة الأب، وحال المنفق عليه بمعنى
حاجته الفعلية شريطة أن لا تقل النفقة المفروضة عن حد الكفاية لتأمين مستلزمات المنفق
عليه حسب الوضع الاقتصادي زماناً ومكاناً، وقد نص المشرع في المادة (62) من قانون الأسرة
المتقدم على أنه يراعى في تقدير النفقة سعة المنفق، وحال المنفق عليه، والأوضاع الاقتصادية
زماناً ومكاناً.
ويظهر من هذا المقتضى أن تقدير النفقة سلطة تقديرية للمحكمة وقد جاء حكم محكمة التمييز
مقرراً أن تقدير النفقة بأنواعها ومدى يسار المنفق، هو من مسائل الواقع التي تستقل
بها محكمة الموضوع، دون معقب عليها في ذلك متى أقامت قضاءها على ما استنبطته من أدلة
لها أصلها الثابت في الأوراق ومن شأنها أن تؤدي إلى ما انتهى إليه قضاؤها ولا عليها
بعد ذلك أن تتبع الخصوم في مختلف أقوالهم وحججهم وأن ترد استقلالاً على كل منها ما
دام في قيام الحقيقة التي اقتنعت بها و أوردت دليلها الرد الضمني المسقط لكل ما ساقوه
من تلك الأقوال والحجج.
(الطعن رقم 340/2014م تمييز مدني – جلسة 13/1/2015م ).
وقيام محكمة الموضوع بتقدير النفقة على ما استنبطته من أدلة لها أصلها الثابت في الأوراق
يستلزم عليها التحري عن طريق خطاب لجهة العمل والجهات الأخرى كالبنوك للوقوف على الحالة
المالية للمنفق على أولاده لمعرفة درجة يساره ومعرفة حالته المالية ولتحديد ما يستحقه
الأولاد من نفقة.
وقرر المشرع في المادة (79) من قانون الأسرة المتقدم على أنه تستحق نفقة الولد على
أبيه من تاريخ قيد الدعوى، والحكم بالنفقة من الأحكام القابلة للتغيير تبعاً لتغير
حال المكلف بالنفقة أو تغير الحالة الاقتصادية وتغير الظروف المعيشية وأجاز القانون
رفع دعوى جديدة لزيادة النفقة أو إنقاصها ولكن بشرط مرور سنة على تاريخ فرض النفقة
في الحكم السابق واستثنى القانون حالة حدوث ظروف استثنائية قبل مرور العام تقتضي تغيير
النفقة بالزيادة أو النقصان فأجاز للمحكمة سماع الدعوى قبل انقضاء السنة وترك للقاضي
تقدير هذه الظروف وتقييم ضرورة تعديل النفقة بناء عليها.
تنفيذ الأحكام والقرارات القضائية:
إن الأمر لا يقف عند إصدار الأحكام والقرارات الخاصة بنفقة الأولاد، بل أن تقرير الحق
لا يكتمل إلا بتنفيذه كما قال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه في رسالته إلى أبي
موسى الأشعري ( لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له )، ونص القانون على أن دين النفقة مقدم
على غيره من الديون لكونه من الضرورات الخمس التي أوجب الإسلام حفظها وهي (الدين، النفس،
العقل، النسل والعرض والمال) وتعتبر النفقة ديناً في ذمة الأب لا يسقط إلا بالوفاء
أو الابراء.
إجراءات تنفيذ الأحكام والقرارات القضائية:
أولاً: عن طريق جهة عمل الأب إذا كان موظف في الدولة أو القطاع الخاص والتي بدورها
تقوم بخصم مبلغ النفقة الشهري من راتبه في حدود نسبة معينة حددها القانون.
ثانياً: التنفيذ عن طريق الحجز على أموال المنفذ ضده أو ممتلكاته أو أمواله بالبنوك
سداداً لدين النفقة.
ثالثاً: إقامة دعوى الحبس على المنفذ ضده في دين النفقة إذا أمتنع عن تنفيذ الحكم النهائي
الصادر ضده.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن المجلس الأعلى للقضاء بالتعاون مع مؤسسة الشيخ جاسم بن محمد
بن ثاني للرعاية الاجتماعية ساهم مؤخراً في اطلاق صندوق النفقات مما ساعد في تخفيف
معاناة بعض الأسر المتضررة من تعثر بعض المحكوم عليهم في سداد النفقات المحكوم بها
للأولاد وذلك عن طريق قيام الصندوق بدفع النفقة لهم شهرياً بصورة منتظمة، على أن يتولى
المجلس إعادة الأموال للمؤسسة متى تم تحصيلها من المحكوم عليهم.
وختاماً أدعو الآباء إلى الالتزام بالنفقة على أولادهم والقيام بمصالحهم فلا يجوز للأب
التقصير في النفقة على الأولاد ولا تضييعها، بل يلزمه القيام بها على الوجه الأكمل
لما في ذلك من الإسهام في استقرار الأسرة والمجتمع.
والله من وراء القصد،،
* القاضي بمحكمة الاستئناف
سلطة محكمة الموضوع في سماع أقوال الشهود.. من أحكام محكمة التمييز
"من المقرر أن المحاكمة الجنائية يجب أن تبنى على التحقيق الشفوي الذي تجريه المحكمة
بالجلسة وتسمع فيه الشهود مادام ذلك ممكناً محصلة هذه العقيدة من الثقة التي توحي بها
أقوال الشاهد أولا توحي ومن التأثير الذي تحدثه هذه الأقوال في نفسها وهي تنصت إليها
لأن التفرس في حالة الشاهد النفسية وقت أداء الشهادة واستقامته وصراحته، أو مراوغته
واضطرابه هي من الأمور التي تعين القاضي في تقدير أقواله حق قدرها، ولا يجوز الافتئات
على هذا الأصل لأية علة مهما كانت إلا بتنازل الخصوم صراحة أو ضمناً، ذلك لأن المحكمة
هي الملاذ الأخير الذي يتعين أن ينفسح لتحقيق الواقعة وتعقبها على الوجه الصحيح ، وإلا
انتفت الجدية في المحاكمة وانغلق باب الدفاع في وجه طارقه بغير حق وهو ما تأباه العدالة
أشد الإباء وقد قام على هذه المبادئ حق المتهم في الدفاع عن نفسه وأصبح حقاً مقدساً
يعلو على حقوق الهيئة الاجتماعية التي لا يضيرها تبرئة مذنب بقدر ما يؤذيها ويؤذي العدالة
معاً إدانة بريء ".
محكمة التمييز
جلسة 19 من نوفمبر سنة 2018
الطعن رقم 22 لسنة 2018 تمييز جنائي
قانون رقم (22) لسنة 2006 بإصدار قانون الأسرة
القانون وفقاً لآخر تعديل- قانون رقم (13) لسنة 1990م بإصدار قانون المرافعات
المدنية والتجارية