الراية - الأحد31/8/2008
م
تكوين هيئة الفتوى والرقابة
الشرعية في المؤسسات المالية الإسلامية
سلسلة "بيت المشورة للاستشارات المالية " (الحلقة الثالثة)
إن نمو وتطور المؤسسات المالية الإسلامية وتزايد اعمالها
وتشعب أنشطتها التمويلية والاستثمارية ، جعل من غير اليسير علي هيئة مصغرة أن تطلع
علي جميع أعمال المؤسسة ، وتحيط بمدي التزامها بالتوجيهات والقرارات الشرعية ، فنشأت
عدة رؤي لآليات عمل الهيئات الشرعية أهمها أن تتكون هيئة الفتوي والرقابة الشرعية في
المؤسسات المالية الإسلامية مما يلي :
هيئة الفتوي .
إدارة الرقابة والتدقيق الشرعي.
وسنفرد الكلام هنا عن هيئة الفتوي ، ونتكلم لاحقاً عن الرقابة ثم التدقيق.
هيئة الفتوي هي جهاز مستقل من الفقهاء المتخصصين في فقه المعاملات ، تعني أساساً بالفتوي
، والفصل في أعمال المؤسسة المالية الإسلامية من خلال تنقية النظام الأساسي من الشوائب
المخالفة للأحكام الشرعية ، أو صياغة العقود الجديدة صياغة شرعية محكمة ، ووضع الضوابط
اللازمة لسير العمل في المؤسسة المالية وفق توجيهات الشريعة وأحكامها ، وتكون فتاواها
وقراراتها ملزمة للمؤسسة . كما تقوم هيئة الفتوي بإعداد الدراسات والبحوث التي تضيف
تطوراً وتنوعاً للمنتجات الإسلامية ، وتشارك في المؤتمرات والندوات الفقهية المتخصصة
في القضايا العملية من أجل تبادل التجارب والخبرات والاستفادة من مناقشات أهل الفقه
والنظر.
وتتكون هيئة الفتوي من أعضاء لا يقل عددهم عن ثلاثة ، ليحصل التشاور والتكامل بينهم
، ويكون لهم تواصل إن لم يكونوا أعضاء في المجامع الفقهية التي أنشئت لحل مشكلات العصر
، ويتم اختيار هيئة الفتوي في المؤسسة المالية الإسلامية من قبل الجمعية العمومية ،
أو من قبل مجلس الإدارة بتخويل من الجمعية العمومية ، وينبغي تحري الدقة والأمانة في
الاختيار ، يقول محمد بن سيرين رحمه الله : إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم
.
وتقوم هيئة الفتوي بدراسة الوقائع الشائكة والمستجدة في معاملات المؤسسة التي تحتاج
إلي إمعان نظر ، ومزيد تأمل ، وبحث مستمر ، وإلي العلم والقدرة علي استنباط الأحكام
الشرعية من أدلتها وتنزيلها علي القضايا الحادثة . ولهذا الجهد العظيم والأمانة الثقيلة
أهل الفقه والنظر ، وليس من لديهم الإلمام الشرعي ، فهؤلاء لا يمكنهم حل المشكلات أو
الإجابة عن التساؤلات التي تطرأ علي المؤسسة .
قال سبحانه : (فسألوا أهلَ الذِّكرِ إن كُنتُم لا تَعلمون) الانبياء : 7وقال سبحانه
: ( وَلَو رَدُّوهُ إلي الرَّسُولِ وإلي أُولِي الأَمرِ مِنهُم لَعَلِمهُ الَّذينَ
يستَنبِطونَهُ مِنهُم ... ) النساء : 83 .
ورضي الله عن الخليفة عمر الذي كانت تأتيه المسألة فيجمع لها أهل بدر . فيجب أن تُرد
المسائل إلي أهل الفهم والعلم والخبرة .
وإن طبيعة هيئة الفتوي أساساً هي الإفتاء ، لذا لابد من توفر شروط المفتي وهي :
1-معرفة كتاب الله : وهو المصدر الأول للتشريع ، لذا علي عضو هيئة الفتوي العلم به
وخصوصاً آيات الأحكام ، وأسباب النزول ، ومعرفة الناسخ والمنسوخ .
2- معرفة السنة النبوية : المصدر الثاني للتشريع ، فهي تفسر مجمل القرآن ، وتوضح مبهمه
، وتخصص عامه ،وتقيد مطلقه ، ولابد من معرفة أسباب ورود الحديث ، وناسخه ومنسوخه .
ويجب فهم النصوص حتي لا يفتي بخلافها .
3- معرفة مواطن إجماع الفقهاء واختلافهم : لابد من العلم بمذاهب السلف وطرق استنباطهم
، واختلاف العلماء وأدلتهم ، ومواطن الإجماع حتي لا يخرقه ويفتي بخلافه .
4-معرفة اللغة العربية : لأن الشرع نزل بلسان عربي مبين فلا يمكن فهم أحكامه ، والتمييز
بين ظاهره ومجمله ، ومطلقه ومقيده ، وكيفية دلالات الألفاظ علي المعاني إلا بمعرفة
أساليب اللغة العربية.
5-معرفة أصول ونظريات الفقه : أصول الفقه هو عماد الاجتهاد ، به تعرف دلالة النص كونه
أمراً أو نهياً أو عاماً أو خاصاً ، ويعرف القياس بشروطه وأركانه ، وعلل الأحكام وكيفية
استنباطها من الأدلة الشرعية . ويلزم أيضاً الاطلاع علي القواعد والنظريات الفقهية
لإلحاق المسائل بقواعدها الكلية.
6-معرفة مقاصد الشريعة : وهي المعاني التي راعاها الشارع الحكيم من أجل تحقيق مصالح
العباد ، فيلزم العلم بها للتوفيق بين النصوص أو الترجيح ، وإدراكها يمكّن المفتي من
فهم النصوص وتطبيقها علي الوقائع بما يتلاءم مع مقاصد التشريع الإسلامي .
وقبل هذه الشروط لابد أن يكون عضو الهيئة متحلياً بصفات المفتي ، أن يكون مسلما ًعدلاً
يقظاً عارفاً بأحوال الناس ، فقهياً ، ورعاً يجتهد لبلوغ الصواب في عمله ، يخاف الله
فيخلص له، متأنياً في جوابه عند المسائل المشكلة ، ويشاور غيره من أهل العلم . ويضاف
إلي ما ذكرناه آنفاً أن يكون عضو هيئة الفتوي متعمقاً في فقه المعاملات المالية ، ولا
سيما ما يتصل بأنشطة المؤسسات المالية الإسلامية ، وأن يكون علي دراية بقواعد العمل
في المؤسسات المالية ما يمكّنه من دراسة وتحليل المسائل التي ينظر فيها لبيان حكمها
.