7727 العدد - السبت 8 أغسطس 2009 م - الموافق 17 شعبان 1430 هـ
جدد دعوة بلاده للتطبيع الإعلامي مع إسرائيل.. السفير البحريني لـ«العرب»:
إلغاء باقي دول مجلس التعاون لنظام الكفالة مسألة داخلية
الدوحة - جيزيل رزوق
وصف سفير البحرين في الدوحة خالد محمد جبر المسلم قرار إلغاء بلاده لنظام الكفالة بالخطوة
المتقدمة التي تأتي في سياق التوجه العام لدى الملك حمد بن عيسى آل خليفة لإعطاء حرية
أوسع وأكبر للمواطن والمقيم على حد سواء، لافتاً إلى الصعوبات التي ستلاحق تطبيق النظام
الجديد «التي قد تتمثل بإقفال بعض الشركات لأبوابها».
وفي وقت أشار السفير المسلم إلى أن القرار الذي بدأ تطبيقه مطلع أغسطس الجاري يواجه
معارضة القاعدة الشعبية، وتحديداً رجال الأعمال، أكد في سياق متصل أنه ليس على باقي
دول مجلس التعاون أن تسير بالضرورة على خطى البحرين.
السفير المسلم شدد في حديثه الخاص لـ «العرب» على أن الاقتراح المقدم من ولي العهد
البحريني، الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة، لمخاطبة الإسرائيليين عبر وسائلهم الإعلامية
«لا يتناول الشق الحكومي إنما التطبيع بين الشعوب»، لم يقطع أمل التوصل إلى حلحلة في
الصراع العربي الإسرائيلي في ظل الحكومة اليمينية الحالية، خصوصاً أن «كل عمليات السلام
التي أبرمت مع الإسرائيليين تمت في عهد الليكود».
وبين ترحيبه بإطلاق المرحلة الأولى من الربط الكهربائي مع قطر والكويت، وتوقعه بدء
تنفيذ جسر المحبة الذي يصل الدوحة بالمنامة في القريب العاجل، وكشف السفير المسلم عن
دراسة كل من قطر والبحرين لمشروع إطلاق تأشيرة سفر سياحية مشتركة بشكل يتمكن فيه كل
حاصل على تأشيرة سفر للدوحة من دخول المنامة، والعكس صحيح، وذلك عبر الجسر.
وفي ما يلي نص الحوار:
لقد دخل قرار إلغاء المنامة لنظام الكفالة حيّز التنفيذ مطلع الأسبوع الجاري، لتكون
البحرين أول دولة خليجية تقدم على خطوة مماثلة. ما هي أهمية هذه الخطوة بالنسبة لكم،
وهل من صعوبات تتوقعون مواجهتها في هذا الإطار؟
- إنها خطوة متقدمة تأتي في سياق المسيرة الحضارية للبحرين وحفاظها على حقوق الإنسان
وحرية الرأي، وصولاً إلى إعطاء كل ذي حق حقه، والأهم يبقى في التوجه العام لدى جلالة
الملك لجهة إضافة بعض المواد على دستور عام 1972 وميثاق العمل الوطني، والقادرة على
إعطاء حرية أوسع وأكبر للمواطن والمقيم على حد سواء. علماً أن البحرين تسير على هذا
الخط منذ زمن، حيث تسمح للمقيم المالك لشقة بالمشاركة في الانتخابات البلدية، فيختار
بالتالي النائب البلدي في المنطقة التي يعيش فيها، مما يعطي للمقيم حرية أكبر.
الصعوبات ستكون موجودة في سياق إلغاء نظام الكفالة، ولاسيما على مستوى بعض الشركات،
بمعنى أنه عندما يأتي عامل ويوقع عقد عمل مع شركة لمدة سنتين فيتعلم نظامها لتعتمد
بدورها عليه، فهو سيتسبب لها في ضرر عندما يقرر الانتقال فجأة إلى شركة أخرى، كونه
سيحصل راتباً أفضل من الراتب الذي يتقاضاه، ولن يكون باستطاعة شركته الأساسية منعه
من الإقدام على هذه الخطوة، أو إجباره على مغادرة البلاد، الأمر الذي قد يؤدي إلى إقفال
بعض الشركات لأبوابها. لكن هذه الخطوة ستعطي على الأقل الشخص المقيم حرية التنقل، لتصان
مسألة حقوق الإنسان من ناحية أخرى، خصوصاً أننا كنا نعاني من مشكلة الاتجار بالبشر.
: ألم تأخذوا الصعوبات المذكورة في الاعتبار فيترافق النظام الجديد بقوانين ضابطة؟
- لقد اتخذ القرار بعد دراسة مستفيضة، لكن التوجه في ميثاق العمل الوطني يقوم على احترام
حقوق الإنسان وحرية الرأي، والشخص سواء كان مواطناً أو مقيماً، فهو عليه واجبات ولديه
حقوق. البحرين مملكة دستورية، تؤمن لكل شخص حقه مهما كان لونه وجنسه أو عرقه، لدينا
ثوابت في هذا الإطار وجدت لتبقى.
تكلمتم عن توجه القيادة البحرينية، لكن إلى أي حد تبدو القاعدة الشعبية مقتنعة بإلغاء
الكفالة؟
- القاعدة الشعبية وتحديداً رجال الأعمال يعارضون خطوة مماثلة، لأنهم لا يريدون أن
يتأثروا سلباً بهذا القرار. لكن حتى لو كانت هناك سلبيات فالإيجابيات التي يحصل عليها
الفرد تبقى أكبر وأهم.
هل تتوقعون بعد اعتمادكم العملي على نظام إلغاء الكفالة أن تتراجع الضغوط التي كانت
تمارس على المملكة لجهة احترام حقوق الإنسان والاتجار بالبشر؟
- الاتهامات التي توجه في الإطار المذكور تصدر عن جمعيات أهلية في أوروبا والولايات
المتحدة ولسنا معنيين بالأمر، نحن ننظر إلى تقارير الأمم المتحدة التي تكون قراراتها
ملزمة أو شبه ملزمة. لكل بلد عاداته وتقاليده، ولا يمكن للجمعيات الأهلية أن تطبق في
بلدنا ما يصح في الدول التي تعمل فيها.
توقفتم عند صعوبات النظام الجديد، لكن ما هي الإيجابيات التي ستحصدونها نتيجة إلغاء
نظام الكفالة؟
- الإيجابيات ستنعكس بالدرجة الأولى على الأجانب في البلاد، والأساس يبقى احترام حقوق
الإنسان، ومكافحة الاتجار بالبشر، وإعطاء متسع حرية أكبر لكل من يقصد البحرين.
هل توجهون اليوم دعوة لباقي دول مجلس التعاون الخليجي لتنتهج الخط نفسه؟
- صحيح أن الخطوة التي أقدمت عليها البحرين تعتبر متقدمة، لكن ليس بالضرورة أن تسير
باقي دول الخليج على الخطوة نفسها، خصوصا أنها تنطوي على بعض الصعوبات. لكل دولة خصوصيتها
الاجتماعية والاقتصادية، وحريتها في اختيار النظام الذي تشاءه، وهذا لا يعني أننا على
حق والدول الأخرى على خطأ، فسلطنة عمان رفضت على سبيل المثال اعتماد العملة الخليجية
الموحدة، وهذا حقها، لكن قرارات مجلس التعاون تتخذ اليوم بالغالبية بعدما كانت بالإجماع،
خصوصا أن الإجماع بات صعباً وعرقل العديد من القرارات.
لقد أطلقت المرحلة الأولى من مشروع الربط الكهربائي بين قطر والبحرين والكويت منذ أسابيع
قليلة، كيف تقرءون إيجابيات هذه الخطوة؟
- الربط الكهربائي خطوة حضارية متقدمة جداً، فدول مجلس التعاون يفترض بها أن تكون مرتبطة
انطلاقاً من كونها مجلساً إقليمياً واقتصادياً بالدرجة الأولى وليس سياسياً وعسكرياً.
كان من شأن هذا المشروع أن يتحقق منذ فترة، لكن الأهم أنه انطلق اليوم لخدمة المواطنة
الخليجية.
كيف ستستفيد البحرين بشكل محدد من هذا المشروع؟
- تماماً كما هي الحال بالنسبة للغاز أو البترول، فإن مشروع الربط سيؤمن مادة استراتيجية
إذا احتجناها سنطلب شراءها من باقي الدول، خصوصا أن البعض يملك فائضاً في الطاقة والبعض
الآخر يحتاج إليها، مما يجعل تأمين هذه المادة أسهل.
يجري الكلام اليوم عن دخول إيران -بشكل غير مباشر- على مشروع الربط الكهربائي الخليجي
إلى أي مدى ترحبون بخطوة مماثلة؟
- ما من مشكلة تترتب على ذلك، خصوصا أن لا دخل للسياسة ولسيادة الدول في هذا الإطار.
وفي شتى الأحوال لم يطرح هذا الموضوع بعد.
لكنه جاء على لسان رئيس مجلس إدارة هيئة الربط الكهربائي يوسف جناحي؟
- ممكن، فاليمن والعراق قد يدخلان على الخط أيضا. وفي مطلق الأحوال فإن الربط الكهربائي
مع أية جهة يرجع القرار فيه لخصوصية كل دولة، بمعنى أنها إذا كانت تملك سلعة معينة
وعرض عليها شراؤها، فيعود لها قرار الموافقة أو الرفض، لكن لو كان الكلام عن إدخال
دولة جديدة في مشروع ربط المياه، فإن ردود الفعل ستتغير انطلاقاً من كون موضوع المياه
استراتيجيا وينطوي على خطورة، خصوصاً في حال نشوب خلاف بين دولتين.
والواقع أن القرار في الدول العربية تمسك به الحكومات وليس الشعوب التي تلعب دور المتفرج،
تماما كما هي الحال في موضوع الصراع العربي الإسرائيلي، حيث إن مواضيع التطبيع وتبادل
السفراء تبقى مبادرات حكومية لا تتدخل فيها الشعوب لا من قريب أو من بعيد.
وفي السياق عينه أيضا يمكن القول إن الاقتراح المقدم من سمو ولي العهد البحريني الشيخ
سلمان بن حمد آل خليفة لمخاطبة الإسرائيليين عبر وسائلهم الإعلامية لا دخل للشعب فيه.
إلام ترمون من الاقتراح المقدم من ولي العهد البحريني؟
- كل الدول التي طبعت علاقاتها مع إسرائيل نرى شعوبها غير موافقة على قرارات حكوماتها،
تماما كما هي الحال في مصر وغيرها من الدول.
هل نفهم منكم أنكم تسعون لخلق انسجام بين قرارات الحكومة والشعب؟
- صحيح، وذلك بناء على مبدأ مهم واستراتيجي، ففي البحرين لدينا لجنة في البرلمان تدعى
لجنة عدم التطبيع. إذا لم يكن الشعب محفزاً لخيارات الحكومات فإن هذه الأخيرة ستفرض
قراراتها بالقوة. في دولنا العربية لا تتغير الحكومات، وفي حال العكس ستحصل مشكلة.
لكن الدعوة البحرينية لم تلق حتى تجاوبا من قبل حكومات باقي الدول العربية؟
- بالطبع، فهي ليست المطلوب كونها تحد من حريات الآخرين.
ما المطلوب إذا، وهل أنتم متفائلون في هذا السياق؟
- اقتراحنا لا يتناول الشق الحكومي إنما التطبيع بين الشعوب، فالحكومات العربية ما
زالت بغالبيتها ترفض الفكرة. أما المطلوب فهو انضمام الدول العربية للاقتراح الذي رحبت
به الدول الغربية، كونها شعرت أن هناك تقدماً ملموساً في إطار حلحلة الصراع القائم،
وطرح رؤية جديدة بدل الاكتفاء بقول لا لا ونعم نعم. الولايات المتحدة طلبت من المملكة
العربية السعودية أن تطبع علاقاتها مع إسرائيل، فكان جوابها الالتزام بالمشروع العربي
المطروح في القمة العربية، ووافقت عليه كل الدول العربية، فإما أن ننهي الموضوع مرة
واحدة، أو سيكون تطبيع العلاقات من دون القدس وعودة اللاجئين مرفوضا.
لكن أليس خوف الحكومات العربية من التطبيع الشعبي مبرراً لإمكانية خرقه والانتقال به
إلى مستوى الحكومات نفسها؟
- لكل خطوة آثارها الجانبية تماما كالدواء، لكن للوصول إلى الهدف يمكن التغلب على الآثار
المذكورة. اليوم هناك أمر مصيري، فإيران متحمسة للفلسطينيين وغزة، وهم بعيدون كل البعد
عن فلسطين، بينما العرب يتحفظون على أشياء كثيرة.
ألا يقطع وجود الحكومة اليمينية الإسرائيلية المتطرفة على رأس الحكم الطريق أمام إيجاد
حلحلة لهذا الصراع؟
- هذا صحيح، لكن من جهة أخرى كل عمليات السلام التي جرت مع الإسرائيليين تمت في عهد
الليكود.
هل نفهم منكم أنكم متفائلون بالعهد الإسرائيلي الحالي؟
- ليس أننا متفائلون ولكن لا نقطع الأمل، فالعهد الإسرائيلي الحالي لن يدوم وسيتغير
تلقائيا بعد سنتين أو ثلاثة، وفي أيام حزب العمال لم نشهد أي تقدم في عملية السلام
باستثناء وديعة رابين التي اغتيلت.
أما حكومة الليكود اليوم فمواقفها على الأقل واضحة. دعوتنا للتطبيع الإعلامي يمكن أن
تساعد في التعرف على الطرف الآخر، فليس كل يهودي معاديا للعرب.
بالعودة إلى إيران، كيف تصفون علاقتكم اليوم بطهران بعد التوتر الذي خيم مطلع العام
الجاري على علاقات البلدين الثنائية على خلفية تصريحات بعض المسؤولين الإيرانيين؟
- ما حصل كان سببه الإعلام، والحكومة الإيرانية أكدت عدم تبنيها للكلام الذي أطلقه
رئيس تحرير إحدى الصحف المحلية، وأظهرت كل نية حسنة، حيث أرسلت وزير الداخلية إلى البحرين
للتأكيد على حسن نواياها. ويمكن القول إن ما حدث هو مثال على الفرق بين سياسات الحكومات
والتطبيع بين الشعوب.
المد والجزر في العلاقات الثنائية البحرينية الإيرانية موجود منذ التاريخ، أما اليوم
فيمكن القول إن العلاقات جيدة، خصوصا أن التمثيل الدبلوماسي موجود، كما أن خطوط الطيران
تسيّر بانتظام، والتبادل التجاري كبير بيننا، ناهيك عن المواطنين الذين يقصدون إيران
لزيارة الأماكن المقدسة. باختصار العلاقات جيدة وما من توتر يسودها.
وما هو مصير الاتفاقية الإطارية لتصدير الغاز من إيران التي جمدت إثر التصريحات المذكورة؟
- ما زال من الصعب على إيران تصدير الغاز، خصوصا أن إمكانيات الإنتاج لديها غير سهلة،
ولاسيما في ظل الحصار الاقتصادي، وأبرز دليل على ذلك هو سقوط طائرات النقل لافتقادها
لقطع الغيار، فالبلد الصناعي هو الذي يصنع ماكينة التصنيع. وبالتالي هناك عوائق تقنية
إزاء العمل بالاتفاقية.
هل تعتبرون أن تخوف دول الخليج من المد الإيراني وسيطرته على المنطقة مبرر أم يأتي
نتيجة محاولات لخلق توتر في العلاقات؟
- تصدير الثورة الإيرانية الشيعية إلى باقي الدول الإسلامية هو مبدأ لدى طهران، ففي
مصر وتونس والمغرب هناك كلام عن بؤر دينية إيرانية شيعية للمد الشيعي. ومحافظة كل حكومة
على بلدها وسيادتها هو أمر طبيعي.
من أبرز المشاريع المنتظرة بين قطر والبحرين «جسر المحبة»، ما الذي يعيق حتى اليوم
بدء الأعمال التنفيذية التي كانت مقررة مطلع العام الجاري؟
- نظراً لتغير الجو العام المالي والتراجع الحاصل في أسعار مواد البناء يجري اليوم
تصحيح وتقييم استراتيجية العمل الخاصة بالمشروع، فأسعار المواد الأولية من حديد وإسمنت
كانت مرتفعة، أما اليوم فقد انخفضت الأسعار وتغيرت المواصفات والجودة، مما فرض إعادة
تقييمها، ومن شأن هذه الخطوة تخفيض التكلفة التي كانت مقدرة بحوالي 4 مليار دولار وزيادة
جودة المشروع.
نتوقع أن يتم الانتهاء من عملية التقييم في القريب العاجل لتنطلق الأعمال أواخر العام
الجاري أو بداية العام المقبل. إن أرضية المشروع جاهزة، ومتى تبلورت استراتيجية العمل
الجديدة وضبطت سيبدأ التنفيذ.
إذاً جاء التأخير نتيجة لتداعيات الأزمة المالية؟
- لكن هذه الأزمة المالية لم تنعكس سلبا على مشروع جسر المحبة بل إيجابا، واليوم تدرس
كل من المنامة والدوحة إطلاق تأشيرة سفر سياحية مشتركة بشكل يتمكن فيه كل حاصل على
تأشيرة سفر للدوحة من دخول البحرين، والعكس صحيح، وذلك عبر الجسر، لتكون نقطة التفتيش
واحدة للدخول والخروج من قطر والبحرين. المشروع الجديد ما زال قيد الدرس للتوقف أكثر
عند بعض الجوانب الأمنية.
كيف تتوقعون أن ينعكس «جسر المحبة» على العلاقات الثنائية التي تربط قطر بالبحرين؟
- لا تربط علاقات بين البحرين وقطر، إنما ثوابت أزلية قديمة قدم الدهر والتاريخ غير
قابلة للتغيير، . الأهمية الكبيرة لجسر المحبة تنطلق من أنه سيشكل تكملة للروابط الاجتماعية
والعلاقة الأخوية المتجذرة بين البلدين، فيسهل بالتالي إمكانيات التنقل خصوصا أنه
سيشتمل على خط حديد يمتد من المنامة إلى الدوحة، فيختصر المسافة بين العاصمتين إلى
40 دقيقة.