جريدة الراية - الأربعاء
23/12/2009 م
عقوبة (التشغيل الاجتماعي) تحقق العدالة الجنائية
د. كلثم جبر : خطوة إصلاحية رائدة تحقق الاستفادة من السجناء
ماجد الدر : عقوبة رادعة
تفوق تأثيراتها عقوبة الحبس
ندى السليطي : التعديل يعكس تطور السياسة العقابية في قطر
د. طاهر شلتوت : التغيرات الاجتماعية العميقة تواجه بعدم القبول أحيانا
كتب - نشأت أمين :
أثار استحداث عقوبة "التشغيل الاجتماعي" في بعض الجرائم البسيطة جدلا قانونيا واسعا
خلال الأسبوع الماضي حول أهمية تلك العقوبة الجديدة في تحقيق الردع ، وكذلك أهميتها
في تحقيق العدالة المنشودة ومراعاة الظروف الاجتماعية للمتهمين في تلك الجرائم .
فقد أصدر سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني نائب الأمير ولي العهد قانوناً بتعديل بعض
أحكام قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم (11) لسنة 2004.
ونص القانون على أن يتضمن التعديل إضافة نوع جديد من العقوبات يسمى التشغيل الاجتماعي
وهو عبارة عن أعمال اجتماعية يكلف بها المحكوم عليه وفق ضوابط وإجراءات معينة وذلك
بديلاً عن العقوبات العادية (الحبس والغرامة) وتحكم المحكمة بهذه الإجراءات بناء على
طلب النائب العام وفي الجرائم المعاقب عليها بالحبس لمدة لا تزيد على سنة أو الغرامة
التي لا تزيد على ألف ريال وقضى القانون بتنفيذه والعمل به من تاريخ صدوره وأن ينشر
في الجريدة الرسمية.
كما أصدر سموه قانونا بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية الصادر بالقانون رقم
(23) لسنة 2004 .
ونص القانون على أن يتناول هذا التعديل بعض الإجراءات المتعلقة بتطبيق عقوبات التشغيل
الاجتماعي التي صدر بشأنها تعديل قانون العقوبات .
وقضت التعديلات بأن تكون مدة العقوبة 12 يوماً بناء على طلب النيابة العامة من المحكمة
، ويكون التطبيق في الجنح المعاقب عليها بالحبس سنة والغرامة بحد أقصى ألف ريال ، وبواقع
6 ساعات عمل يومياً للمحكوم عليه، ويحدد النائب العام طريقة التنفيذ .
كما تقضي التعديلات بحبس المحكوم عليه الممتنع عن تنفيذ العقوبة أسبوعاً عن كل يوم
يمتنع فيه عن التنفيذ ، فيما يحدد النائب العام جهات قضاء العقوبة ويجوز للنيابة العامة
تأجيل التنفيذ أواتخاذ تدابير منع المحكوم عليه من الهرب خلال التنفيذ.
وتعليقاً على تلك التعديلات قالت د.كلثم جبر في مقال نشرته الراية : إن تلك التعديلات
تؤكد أن مسيرتنا الإصلاحية تسير في الاتجاه الصحيح، انطلاقا من حرص قيادتنا الرشيدة
علي اتخاذ كل الوسائل لتحقيق الإصلاح المنشود في كل ما من شأنه تحقيق الأمن في إطاره
الإنساني الشامل.
وأشارت إلى أن عقوبة التشغيل الشامل وفق الشروط التي نصت عليها القوانين الصادرة بشأنها،
هي أسلوب حضاري للتعامل مع المساجين، الذين غالبا ما تعمق العزلة عن المجتمع بواعث
الانغماس في المحظور لديهم، بينما يبعث التشغيل الاجتماعي في نفوسهم الثقة بقدرتهم
علي التواصل مع المجتمع، والشعور بالخطأ المرتكب ضده أو ضد بعض أفراده، خاصة أن السجن
في حالات كثيرة لا يأتي بنتائجه المتوخاة في مسألة الردع، والسجناء لا يمكن الاستفادة
منهم ما داموا وراء القضبان، لكن بعضهم يمكن الاستفادة منه إذا أتيحت له فرصة العمل
من خلال التشغيل الاجتماعي، ما دامت الشروط التي نص عليها القانون الجديد تنطبق عليه.
خطوة إصلاحية رائدة
وأضافت د. كلثم جبر: وربما وجد بعض السجناء أنفسهم وراء القضبان نتيجة أخطاء ندموا
عليها، أو نتيجة تصرف لم يقدروا نتائجه، ولم يعرفوا عواقبه، وهؤلاء يمكن لهم النجاة
من احتمالات تكرار الخطأ، والاستمرار في الانحراف، إذا أتيحت لهم فرصة التشغيل الاجتماعي
لتعميق الشعور لديهم بإمكانية استفادة المجتمع منهم، واستفادتهم من المجتمع، وهذا يؤكد
مقولة إن السجن عقاب وتأديب وتهذيب، وليس ترهيبا وتعذيبا، ومن خلال تحقيق إصلاح الفرد
يتحقق إصلاح المجتمع، دون أن يؤثر ذلك على عقاب من يستحق العقاب، وهو عقاب من جنس العمل
في كل الحالات.
وأكدت ان تلك العقوبة تحقق الاستفادة من بعض أفراد هذه الطاقة المعطلة وهم السجناء
الذين يمكن أن تخفف العقوبة من أعباء العناية بهم، عندما توجه هذه العناية باتجاهها
الصحيح من خلال التشغيل الاجتماعي، الذي أثبت نجاحه في دول أخرى، وهو إلى جانب بواعثه
الإنسانية يتيح استفادة المجتمع من هذا التشغيل الذي سيوجه حتما لأعمال تخدم المصلحة
العامة، وهي كثيرة في بلادنا التي تحتاج لجهود مكثفة في الأعمال المختلفة.
وأشارت الى أن التشغيل الاجتماعي بهذا الأسلوب، إنما هو خطوة إصلاحية رائدة، تسهم في
خدمة المجتمع، وقد أحسنت الدولة صنعا بتطبيق التشغيل الاجتماعي بين السجناء ممن تنطبق
عليهم الشروط، وهو إجراء يضاف إلى التشريعات البناءة التي تعودنا أن نراها من حكومتنا
الرشيدة.
وتشير ندى السليطي المحامية امام محكمة التمييز أن أي تشريع يتم إصداره، إنما يرمي
المشرع من ورائه إلى تحقيق هدف، بل أهداف عدة، وجميع هذه الأهداف تكون إيجابية ومفيدة،
للدولة وللمجتمع، ذلك أن المشرع القطري لا يصدر أي قانون، إلا بعد دراسة وتمحيص من
أهل الاختصاص والرأي، المعنيين بالأمر، ووفقا للإجراءات والمراحل التي يحددها الدستور.
وفيما نرى أن الهدف من إصدار هذا القانون، هو هدف سام، وتطور في السياسة العقابية للدولة
متنامي. إذ نجد فيه فائدة عظيمة للفرد وللمجتمع، ذلك أنه لا يوجد هنالك ما يمنع من
تعدد العقوبات الأصلية في الجرائم، وتدرجها من الأعلى "الأشد" إلى الأدنى "الأخف" ما
دام هذا أمراً جوازياً للقاضي، يحكم بأيهما يشاء، طبقاً لما يراه من طبيعة الجريمة
والظروف التي ارتكبت فيها.
وتضيف السليطي: إن عقوبة التشغيل الاجتماعي، ستكون أكثر فاعلية، على مستوى المحكوم
عليه والمجتمع، ذلك أن المحكوم عليه بهذه العقوبة، سيؤديها في مدة معينة، طبقاً لما
سيبينه الحكم، على ألا تزيد على اثنى عشر يوماً، ولمدة ست ساعات في اليوم.
وأكدت إن كان التشغيل الاجتماعي، عملا مفيدا يقوم به المحكوم عليه لصالح المجتمع في
الجهات التي يحددها النائب العام، والتي يستفيد منها أفراد المجتمع عامة، بمن فيهم
المحكوم عليه الذي يؤدي ذلك العمل ، وفي الأغلب الأعم، في قضايا الجنح، التي يعاقب
عليها بهذه العقوبة يكون المتهمون فيها أحوج ما يكونوا إلى تخفيف العقوبة عليهم، فإذا
تم الحكم عليهم بغرامة، قد يعجزون عن سدادها، وإذا حُكِم عليهم بالحبس، قد لا يطيقون
تنفيذه، ويعانون من ذلك أشد المعاناة، وهنا يكون البديل الأفضل والأنسب لهم، هو تنفيذ
عقوبة التشغيل الاجتماعي. ويستوي في ذلك، المتهم الغني بالمتهم الفقير. وستتضح كل هذه
المزايا والإيجابيات، عند البدء في إصدار أحكام، تتضمن عقوبة التشغيل الاجتماعي، ويقوم
من تصدر ضده تلك الأحكام بتنفيذها.
وأشارت الى أن المشرع القطري، يتطلع دائماً إلى إصدار التشريعات والقوانين التي تضمن
للأفراد والمؤسسات، أقصى درجات العدالة، والحفاظ على حقوق الفرد والمجتمع في جميع القوانين،
بما في ذلك قانون العقوبات ، ومن ناحية اخرى فإننا نؤكد ان المشرع القطر يسعى للاستفادة
من التجارب القانونية لدول العالم والتي طبقت مثل هذه العقوبة ومنها فرنسا وبعض الدول
الأوروبية. لكن تبقى قطر، هي الأسبق بين الدول العربية، في إضافة هذه العقوبة إلى تشريعاتها،
بجانب المملكة العربية السعودية، التي يحكم بعض قضاتها بعقوبة التشغيل على بعض المتهمين،
لردعهم وزجرهم، وما يؤكد صحة موقف المشرع القطري في هذا الصدد، أن بعض الدول العربية
التي لم تضف عقوبة التشغيل الاجتماعي إلى تشريعاتها، ومنها مصر التي تقوم بإلزام المحكوم
عليه بعقوبة الغرامة، وان عجز عن سدادها، فإنه يقوم بالعمل في بعض المصالح الحكومية،
عددا من الأيام، بقدر الغرامة المحكوم بها، فإذا كان ذلك كذلك، فمن باب أولى، يتم الحكم
مباشرة على المتهم بعقوبة التشغيل الاجتماعي.
وأضافت : بعد أن تم إصدار هذا القانون يثار التساؤل حول العقوبة الواردة فيه، وهل هذه
العقوبة ستكون رادعة أم لا؟ والإجابة الشافية على هذا السؤال لا يمكن تحديدها بشكل
قاطع قبل تطبيق القانون على المتهمين. إلا أننا نرى أن هذه العقوبة ستكون رادعة، وسيتحقق
معها الهدف من إصدارها، ذلك أن معيار الردع العقابي في أي حكم، يصدر ضد أي متهم في
أي جريمة، يتحدد بناءً على مدى موائمة العقوبة وقدرها، مع الجريمة وجسامتها وأثرها
على المجتمع. ومن هنا، يتضح أن عقوبة التشغيل الاجتماعي، ستحقق عنصر الردع، الذي صدرت
من أجله، وستحقق الهدف الذي يبتغيه المشرع من ورائها، وليس الردع هنا بمعنى زوال جرائم
الجنح من على مسرح الدولة، أو الامتناع عن ارتكابها، فالجرائم باقية، ما بقيت الحياة،
إنما الردع بمعنى تخفيف آثار الجريمة على المحكوم عليه، ودفعه لعدم ارتكابها مستقبلاً،
سيما وأن جرائم الجنح، التي يجوز الحكم فيها بعقوبة التشغيل الاجتماعي، هي من الجرائم
البسيطة، التي لا تؤثر في المجتمع ولا تنال من حق الدولة ولا من حقوق الأفراد، فهذا
وذاك، مصونان. ولن يضيع أي منهما، بمجرد تنفيذ عقوبة التشغيل الاجتماعي.
قبول المجتمع
وتقول السليطي إن ردة فعل أي مجتمع حول أي موضوع، تتحدد بعوامل كثيرة، تؤثر في هذا
المجتمع أو ذاك، ومنها العادات والتقاليد، والأعراف والثقافة والبيئة وغير ذلك ، وعليه
فإن ردة فعل المجتمع بشأن هذه العقوبة، ستكون إيجابية ومقبولة وذلك من نواحي عديدة،
وأبعاد عده، ذلك أن هذه العقوبة، ستكون طوق نجاة، لمن لا يطيق السجن ولمن لا يقدر على
سداد الغرامة، أياً كان الوضع الاجتماعي والثقافي لهذا المحكوم عليه أو ذاك، إضافة
إلى أن المجتمع القطري مجتمع متحضر وسيتقبل هذه العقوبة الجديدة، دون النظر إلى من
سينفذها، بنظرة دونية ذلك أن تنفيذ هذه العقوبة، سيتم بموجب عمل يقوم به المحكوم عليه،
بإرادته الحرة، دون جبر أو إكراه، لمدة ست ساعات في اليوم، وحسب الأيام التي يحددها
الحكم، على ألا تزيد على إثنى عشر يوماً وتكون في الجهات التي يحددها النائب العام،
وذلك طبقاً لمواد القانون رقم 24-2009 بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية :
(التالي في الإصدار للقانون رقم 23-2009 سالف الذكر، والصادر في ذات يوم صدوره)، وإذا
امتنع عن التنفيذ سينال عقوبة الحبس، بواقع أسبوع عن كل يوم من مدة التنفيذ التي لم
يقم بتنفيذها، وذلك طبقاً لحكم المادة 63 مكرر 2 من القانون الجديد رقم 23 لسنة 2009.
وقالت : إضافة إلى أن منفذ عقوبة التشغيل الاجتماعي، لن يشعر بأي شيء يجرح مشاعره أو
يهينه أو يحط من قدره ذلك أنه، لن يرتدي زيا معلوم كنزلاء السجون، ولن يكتب على ثيابه
أي عبارة، ولن توضع عليه أي إشارة، تفيد بأنه ينفذ عقوبة التشغيل الاجتماعي. بل سيحضر
إلى المكان الذي سيحدد له بالملابس العادية التي يرتديها، وسيقوم بأداء عمله المنوط
به، في جو من السكينة والسلام، والتقدير والاحترام.
وتضيف السليطي : قد يقول قائل، إن من ينفذ عقوبة التشغيل إذا تقدم لخطبة فتاة على سبيل
المثال، فلن يوافق أهلها عليه ولن يقبلوه، وسينحط قدره بين الناس وينبذوه ، غير أن
هذا القول، ليس صحيحاً إذ أن التشغيل الاجتماعي، ليس سُبّةْ في وجه من ينفذه ولن يكون
ذلك أن معيار موقف المجتمع من المحكوم عليه، هو في نوع الجريمة التي ارتكبها، وليس
في العقوبة المحكوم عليه بها. إضافة إلى أن جميع جرائم الجنح التي يجوز الحكم فيها
بعقوبة التشغيل الاجتماعي، لا تعتبر من الجرائم المخلة بالشرف، وبالتالي فإن تنفيذ
عقوبة التشغيل، التي يُحكم بها عن هذه الجرائم، لا تعد عقبة في طريق من ينفذها، ولن
تكون سابقة ضده، ولن تؤثر عليه لا نفسياً ولا أسرياً ولا اجتماعياً. كما لن تؤثر على
مستقبله أو مستقبل أبنائه.
وبشأن أنواع الجرائم التي ستطبق على مرتكبها هذه العقوبة تقول ندى السليطي : إن جميع
الأفعال والتصرفات التي تندرج تحت جرائم الجنح المعاقب عليها بالحبس مدة لا تجاوز سنة
وبالغرامة التي تزيد على ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين. هي التي ستطبق عليها
العقوبة، وسيكون تطبيقها أمراً جوازياً للمحكمة، ذلك أن المادة 63 مكررا / 1 من قانون
العقوبات المعدل بالقانون 23 لسنة 2009 موضوع هذا الحديث، قد نصت على ذلك، ومن هذه
الجرائم، بعض جرائم الاحتيال، وبعض جرائم إخفاء الأشياء المتحصلة من جريمة، وبعض جرائم
الحاسب الآلي، وبعض جرائم إتلاف المال ونقل الحدود، وبعض جرائم القذف والسب، وبعض جرائم
الاعتداء على سلامة الجسم وغير ذلك من الجرائم. ومن ثم، يتضح أن عقوبة التشغيل الاجتماعي،
يجوز تطبيقها على جميع جرائم الجنح المعاقب عليها بالحبس مدة لا تجاوز سنة وبالغرامة
التي تزيد على ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين.
وترى ندى السليطي أن عقوبة التشغيل الاجتماعي التي استحدثها المشرع القطري، لها إيجابيات
عديدة، وتهدف إلى تحقيق فوائد كثيرة، للفرد وللمجتمع، ابتغاها المشرع من وراء هذا الاستحداث،
ولا نرى لهذا الأمر سلبيات تذكر. وإن رأى البعض أن لهذه العقوبة سلبيات، فهم لا شك
مخطئون، وإن تبصروا بحقيقة الأمر، وأبعاده ومراميه، سيعترفون بخطئهم، وسيقرون بجدوى
هذه العقوبة وفائدتها.
وتشير إلى أن عقوبة التشغيل الاجتماعي، وإن كان الحكم بها أمراً جوازياً للمحكمة، إلا
أن هذا الأمر مرهون ومتعلق بطلب النيابة العامة ذلك. وهذا هو المفهوم من النص الوارد
في صدر المادة (63 مكررا 1) المعدلة، والتي تنص على أنه : "يجوز للمحكمة، بناء على
طلب النيابة العامة، أن تحكم بعقوبة التشغيل الاجتماعي لمدة لا تزيد على اثني عشر يوماً..."
وبمفهوم المخالفة لهذا النص، فإنه لا يجوز للمحكمة أن تحكم بعقوبة التشغيل الاجتماعي،
إلا إذا طلبت النيابة العامة ذلك. وبتوضيح أكثر، إذا قدمت النيابة العامة أي متهم للمحاكمة
في جنحة ما، من الجنح التي يجوز الحكم فيها بعقوبة التشغيل الاجتماعي، وطلبت في أمر
الإحالة محاكمته بعقوبة التشغيل الاجتماعي، فيجوز عندها للمحكمة أن تحكم بهذه العقوبة،
وإن لم تطلب النيابة العامة ذلك، فلا يجوز للمحكمة أن تحكم بما لم تطلبه النيابة العامة.
ولذلك فإننا نرى أن ما ورد في صدر هذه المادة، يتعارض مع القواعد العامة المتبعة، في
صياغة النصوص العقابية في قانون العقوبات القطري، ذلك أن جميع المواد التي تتضمن إنزال
العقوبة على من يرتكب الفعل المؤثم، لم يُنص فيها على عبارة "بناء على طلب النيابة
العامة". كما أن اشتراط وجود طلب للنيابة العامة لجواز الحكم بعقوبة التشغيل الاجتماعي،
يصطدم بل ويتعارض مع الحكمة التي أرادها المشرع، من وراء إضافة عقوبة التشغيل الاجتماعي
إلى طائفة العقوبات الأصلية الواردة في المادة 57 من قانون العقوبات، سيما وأن الحكم
بأي من العقوبات الأصلية الأخرى، ليس مرهوناً بطلب النيابة العامة. ذلك أن النيابة
العامة، تقدم المتهم للمحاكمة، بموجب أمر إحالة، والذي يكون متضمناً النصوص التي تشكل
الجريمة التي ارتكبها المتهم، والمحكمة هي التي تحكم بالعقوبة التي تراها، سواء كانت
عقوبة أصلية أو فرعية، إضافة إلى تعارض هذه العبارة مع مبدأ تطبيق القانون الأصلح للمتهم،
وفضلاً عما سبق، فإن عبارة "بناء على طلب النيابة العامة" الواردة في صدر المادة 63
مكررا 1 سالفة الذكر، تصبح عبارة زائدة على نص المادة ذلك أن النص بدون هذه العبارة،
لن يؤثر على مراد الشارع من وراء إصداره، ولن يخل بمضمون باقي نص المادة، بل سيتفق
ما ورد في صدر هذه المادة، مع ما ورد في باقي نصها، والذي جاء فيه : "متى رأت المحكمة
أن طبيعة الجريمة أو الظروف التي ارتكبت فيها تبرر ذلك". وفي ذلك الذي ذكرناه، توضيح
ونزع لأي لبس أو تعارض بين ما على النيابة العامة من واجبات حيال الدعوى الجنائية،
وما للمحكمة من حقوق، أوجبها أو أجازها لها المشرع، وهي في سبيلها إلى إصدار الأحكام
في القضايا الجناية. ونود أن يكون مقصود المشرع من الصياغة الواردة في نص المادة سالفة
الذكر، يختلف عن وجه نظرنا هذه .
وتعتبر ندى السليطي ان التشريع الجديد، من القوانين الأصلح للمتهم، ويعتبر نقلة نوعية
واتجاها محمودا من المشرع القطري، في إطار تطور التشريعات العقابية، في القانون القطري
وتدعو الى المزيد من ذلك في القوانين الأخرى.
عقوبة رادعة
ماجد البدر المحامي يعتبر ان عقوبة التشغيل الاجتماعي ، عقوبة رادعة للغاية وقد تتعدى
في تاثيرتها عقوبة الحبس لاسيما في مجتمع حجمه صغير مثل المجتمع القطري الذي يكاد يعرف
فيه الناس جميعا بعضهم بعضا كما ان المشرع القطري لم يخلق هذه العقوبة من العدم بحسب
كلام البدر وانما هي عقوبة موجودة في الكثير من المجتمعات الغربية غير انه على مستوى
الدول العربية ربما تكون قطر هي اول دولة في المنطقة تقوم بتطبيق مثل هذا النوع من
العقوبات .
ويضيف : ان عقوبة التشغيل الاجتماعي وفقا لما نص عليه القانون سوف يتم تطبيقها في الجنح
التي تصل العقوبة فيها الى الحبس لمدة عام فما دون ذلك او الغرامه التي لا تزيد على
1000 ريال ، وبحسب المادة 63 مكرر منه فإنه " يجوز للمحكمة بناء على طلب النيابة العامة
ان تحكم بعقوبة التشغيل الاجتماعي لمدة لا تزيد على اثني عشر يوما او ان تستبدل هذه
العقوبة بعقوبة الحبس الذي لايجاوز هذه المدة او بعقوبة الغرامة وذلك في الجنح المعاقب
عليها بالحبس مدة لا تجاوز سنة وبالغرامة التي لا تزيد على الف ريال او باحدى هاتين
العقوبتين متى رأت المحكمة ان طبيعة الجريمة او الظروف التي ارتكبت فيها تبرر ذلك واذا
امتنع المحكوم عليه عن تنفيذ عقوبة التشغيل الاجتماعي تكون العقوبة الحبس لمدة اسبوع
عن كل يوم من مدة العقوبة "
ويشير الى انه من الجنح التي تندرج تحت نص هذه المادة ، جرائم السب والقذف ، والمشاجرات
، والاعتداء، اما عن الاسباب التي تدعو القاضي الى تطبيق عقوبة التشغيل بدلا من الحبس
او الغرامة فهناك عوامل عدة منها ، عمر المتهم وطبيعة الجريمة، كذلك صحيفة الحالة الجنائية
للمتهم فمن غير المعقول ان يتم تطبيقها على الشخص الذي لديه أسبقيات عديدة.
ويقول : الهدف من تطبيق عقوبة التشغيل هو تجنيب المتهم دخول السجن وهي عقوبة اجتماعية
تسعى لاعطاء الجاني او المتهم درسا حتى لا يعود لتكرار ذلك الفعل مرة اخرى وربما يكون
الظاهر من العقوبة انها اخف من عقوبة الحبس لكن من وجهة نظري فهي اقوى من عقوبة الحبس
على اعتبار ان الجاني سوف يتم تكليفه باداء العقوبة في مكان عام ونظرا لصغر حجم المجتمع
القطري فإن تطبيق هذه العقوبة سوف يردعه الفاعل بدرجة كبيرة ويدفعه الى عدم تكرار ذلك
الفعل مرة اخرى لانه سوف يكون عرضة لافتضاح أمره بين الاهل والاصدقاء وسائر معارفه
ومخالطيه .
ويضيف : لذلك فان تأثيراتها والاضرار التي يمكن ان تلحقها بالمتهم قد تظل عالقة في
الاذهان طوال عمره وربما حتى بعد وفاته وكمثال على التأثيرات القاسية التي يمكن ان
تلحقها تلك العقوبة بالمتهم ، ما سوف يتملكه من احاسيس ومشاعر عندما يشاهده احد اصدقائه
أو مخالطيه أو مرؤوسية في العمل وهو يقوم بتنظيف احد الحمامات العامة على سبيل المثال
، بدون شك سوف يتلقى درسا اشد مما لو كانت العقوبة هي الغرامة أو حتى الحبس لانه في
الحالتين الاخيرتين لن يتعرض لمواقف مماثلة .
ويؤكد البدر ان تطبيق هذه العقوبة رغم ايجابياته في كونه يحقق الردع المطلوب فهو على
الجانب الاخر سوف يلحق ضررا بالغا بالشخص المعاقب ربما يفوق تأثير عقوبة الحبس ومنها
ما قد تسببه له من حرج شديد اذا كان شابا مثلا وتقدم للزواج ، فمن دون شك ان اي فتاة
سوف تفكر مليا في الارتباط بشاب سمعت انه كان يقوم بتنظيف الحمامات العامة أو جمع القمامة
من الشوارع وتجنبا لذلك التأثير البالغ الخطورة اعتقد انه يتعين ان يتم تجنب تطبيق
عقوبة التشغيل في الاماكن العامة المفتوحة.
الخجل الإجتماعي
أما الاستشاري النفسي الدكتور طاهر شلتوت فيرى ان مثل هذه التشريعات والقوانين الحديثة
سوف يكون لها مردود ايجابي افضل من سياسة الحبس في بعض الاحيان لان وجود اشخاص من اصحاب
المشاكل البسيطة الذين قد تستدعي ظروفهم قضاء فترة قليلة من الاحتجاز كنوع من العقاب
اذا تم ادخالهم السجون فإن اختلاطهم بالنزلاء من مرتكبي الجرائم يحدث احيانا ردود افعال
عكسية او ما يمكن تسميته بالتلوث الاجتماعي لهؤلاء الاشخاص الجدد وتعلمهم لسلوكيات
غير حميدة وهذا امر ثابت من خلال الدراسات المتعددة التي اجريت في هذا المجال .
ويضيف: استحداث مثل هذه العقوبات او التعزيرات الجديدة قد يكون له مردود ايجابي على
الاشخاص الذين نطلق عليهم انهم اسوياء شخصيا وهم الذين يخطئون بدافع من الغضب أو الانفعال
أو عدم ادراك كامل للعواقب.
اما اذا استثنينا المجموعات الشخصية التي من قبيل الشخصية المضادة للمجتمع والشخصية
الحادية حيث ان هؤلاء الاشخاص لا يتعلمون من اخطائهم كما ان تأنيبهم للذات ضعيف وهؤلاء
لايستفيدون من هذه القواعد الحدية لأنهم لن يتعلمون من سلوكيات جديدة من هذه النصائح
الاجتماعية والادوار التي سوف يقومون بها داخل المجتمع اما باقي المجموعات فان شعورهم
بالذنب واحساسهم بالخجل الاجتماعي سوف يجعلهم يشعرون باهمية رجوعهم الى ادوارهم الاجتماعية
الصحيحة ويجعلهم يشعرون بانهم قد ادوا ما عليهم للمجتمع من خلال هذه الايام التي يقومون
فيها بخدمة المجتمع تعويضا وتكفيرا عن ذنوبهم التي اقترفوها وهذا ساعد البعض منهم على
سهولة الاندماج مرة اخرى.
وعن السلبيات التي قد تصاحب تطبيق نظام التشغيل الاجتماعي لاسيما في المجتمعات الصغيرة
مثل المجتمع القطري يقول الدكتور شلتوت : عقوبة التشغيل الاجتماعي سلاح ذو حدين وعلينا
ان ندرس خصائص المجتمع ومدى استيعابه للافعال التي سوف تؤكل إليها لان الهدف ليس إذلال
هؤلاء الاشخاص أو إلصاق الوصمات السلبية بهم ولكن الهدف الحقيقي من هذه القواعد التي
تستخدم في كثير من انحاء العالم هو اعادة بناء سلوكيات جديدة في حياة الانسان من خلال
تقديم الدعم الايجابي من جانب المجتمع لهؤلاء الاشخاص ، فمن المفترض ان الشخص الذي
يذنب يوكل إليه عمل يستطيع ان يؤديه بما يتناسب مع مقدرته وخصائصه وبالتالي يشعر المجتمع
بقيمة هذا العمل ويمتن لهذا الشخص ويعود هذا الامتنان بمردود ايجابي على نفسية المذنب
حيث يشعر هو الاخر بالسعادة لانه ادى دورا ايجابيا للمجتمع من منطلق انه أفاد واستفاد
.
اما ان يتحول المشروع الى اعمال روتينية حسبما يشير الدكتور شلتوت تستهدف كسر الثقه
بالنفس وازلال هؤلاء الاشخاص لكي يشعروا بالذنب فاننا نكون قد بدلنا الشكل ولم نغير
مضمون الحبس والعقاب ولهذا فإن علينا التدقيق في مثل هذه الاعمال المقترحة ودراستها
دراسة جيدة وتهيئة العمل المناسب للشخص المناسب حتى يحقق هذا القانون الجديد الهدف
المرجو منه في المستقبل.
ولا تتوقف التساؤلات بشأن قانون التشغيل الاجتماعي عند هذا الحد فهناك تساؤل آخر يطرح
نفسه وهو كيفية تطبيق عقوبات التشغيل على السيدات ما مع تحظى به السيدات في المجتمع
القطري من مكانه رفيعة حول هذا التساؤل يرد الدكتور شلتوت بقوله: ما ينطبق على الرجال
ينطبق على السيدات لان المجتمع يحتاج الى خدمة جميع فئاته ولذلك فليس هناك ما يمنع
من تطبيق القانون على النساء اسوة بالرجال غير انه يتعين العمل على اسناد ما يناسبهن
من اعمال وان يتم مراعاة وضع ومكانة المراة في المجتمع القطري المحافظ وذلك في اطار
دراسة معمقة ومخططة بشكل جيد تحدد طبيعة الاعمال والاشخاص والفئات المناسبة لادائها
سواء كانوا رجالا أو نساء ، كبارا أو صغارا بحيث يتم استخدام افضل ما لدى كل انسان
من طاقة لخدمة المجتمع .
ويتوقع الدكتور شلتوت أن يصادف القانون بعض الرفض والغضب اجتماعيا في بداية تطبيقه،
شأنه شأن الكثير من التغيرات الاجتماعية العميقة التي يمر بها أي مجتمع من المجتمعات
لكن اذا تم منحه فترة اختبار مناسبة وبدأ الناس يلمسون مردوده الايجابي على المجتمع
فسوف تذوب فكرة الوصمة الاجتماعية.