جريدة العرب - 7923 العدد -
السبت 20 فبراير 2010 م - الموافق 6 ربيع الأول 1431 هـ
بعض اتهم ملاك العقارات بالسعي وراء الربح
معاناة العائلات من جيرة العزاب مستمرة رغم انخفاض أسعار الإيجارات
الدوحة - محمد سيدي
استبشر الكثير من سكان الدوحة خيرا إثر الانخفاض البين الذي عرفته أسعار الإيجارات
في الفترة الأخيرة، حيث اعتبر بعضهم أن زوال السبب الرئيسي في انتشار السكن العشوائي،
وانخفاض إيجار الشقق والفيلات -التي أدى ارتفاع أسعارها بشكل كبير خلال السنتين الماضيتين
إلى بروز ظواهر سكنية غريبة- سيضع حدا لمعاناة العائلات والأسر من جوار العمالة الأجنبية
التي أزعج سكناها العشوائي راحة المواطنين والمقيمين في هذه الأحياء.
غير أن تواجد العمالة في مساكن ملاصقة لمنازل الأسر وتكدس العشرات منهم في مساحات ضيقة
ووسط ظروف غير صحية تفتقر للنظافة وتشوه المنظر العام، ما زال واقعا معاشا في أغلب
أحياء الدوحة، ويفسر البعض تواجد مثل هذه الظواهر في مناطق بعيدة تماما عن المجمعات
الصناعية والمشاريع الخدمية ببحث ملاك بعض الفيلات والعقارات عن الربح السريع دون اكتراث
بالمخاطر الكثيرة التي قد يسببها هذا الوضع للجيران.
كما يحمل آخرون الشركات التي تستخدم هؤلاء العمال وتتولى في الغالب إسكانهم وإعاشتهم
جزءا من المسؤولية، حيث تقوم بعض هذه الشركات بتأجير فلل وعمارات وشقق سكنية تقع وسط
أحياء صغيرة تقطنها عائلات، وتسكّن فيها أعدادا كبيرة من العمال حديثي العهد بالدوحة
غالبا، ما يسبب ضيقا وحرجا للأسر المجاورة التي بات أغلبها يخشى على أبنائه من مجرد
اللعب في فناء المنزل.!
مشكلة تتفاقم..
يقول سالم الشمري القاطن في منطقة الخريطيات: "مشكلة السكن العمالي والمناطق التي يقطنها
العزاب في الدوحة مشكلة مزمنة تطرقت لها الصحف المحلية والمنتديات الإلكترونية، وطُرحت
كثيرا في الإذاعة عبر برنامج "وطني الحبيب صباح الخير" وغيره من البرامج الأخرى، كما
نوقشت في المجلس البلدي وحتى في مجلس الشورى، ولكن كما ترى بدلا من وضع حلول عملية
وتطبيقها على أرض الواقع، بقي الأمر في حدود التوصيات والملاحظات الشفوية، وها هي مشكلة
سكن العزاب وسط العائلات تتفاقم يوما بعد آخر ولا حل في الأفق".
واعتبر الشمري أن الانخفاض الأخير في الإيجارات الذي كان البعض يظن أنه سيسهم في توقف
"زحف" العمالة على الأحياء السكنية العائلية أدى للعكس، حيث تهافتت الشركات على تأجير
الفيلات والعمارات التي أصبحت أرخص من ذي قبل، وأسكنت فيها أعدادا غفيرة من هؤلاء دون
مراعاة لكون هذه المناطق تقطنها أسر.
ويصف سالم وضع حيهم السكني حاليا بالمأساوي، حيث تكتظ شوارع "الحارة" ليلا بالمارة
من الجنسيات المختلفة، ويعاني كل من في البيت من ذلك، حتى الخادمات يخشين الخروج للبقال،
كما يقول.
أما علي أبوجبارة فوجهة نظره مختلفة، ويقسم الظاهرة إلى قسمين، فيرى أن الوجه الأول
للمعضلة هو العامل الأعزب نفسه الذي أتى إلى هذه البلاد بحثا عن فرصة عمل لم يجدها
في بلده، أو لتحسين مستواه المادي وبناء مستقبله. وهو مكره في سبيل ذلك على تحمل العناء
والظروف الصعبة التي قد يواجهها، إلا أن ما نراه اليوم من تردٍ في مستوى المساكن التي
تكتظ بهؤلاء العمال -حيث الغرف متهالكة والحمامات مقززة والنظافة معدومة- يثير تساؤلا
عن الجهة المسؤولة عن هذه المظاهر التي تتسبب في تفشي الكثير من الأمراض، ويمكن أن
تتولد عنها تصرفات وأخلاقيات منحرفة.
والوجه الآخر للمشكلة يتمثل في معاناة العائلات التي تسكن بجوار هذه العمالة التي تكتظ
في مساحات ضيقة لم تكن معدة أصلا لهذا الكم من الساكنين، وبفعل هوة الاختلاف الكبيرة
بين العادات الاجتماعية التي تربى عليها هؤلاء العمال وبين التقاليد المحافظة محليا
في قطر، يحدث هذا الضيق والإزعاج الذي نشتكي منه ونرى تداعياته من خلال التحقيقات على
صفحات الجرائد والشكاوى كل صباح عبر أثير المذياع، كما يقول علي.
الدفنة تستصرخ!
في منطقة الدفنة اشتكى عدد من السكان من تزايد كبير في العمال الأجانب والعزاب الذين
يسكنون بشكل مكثف في فيلات ومجمعات راقية نسبيا، لم تكن في الأصل معهودة لسكنى العمالة
والعزاب، إلا أنه لوحظ في الفترة الأخيرة إقبال كبير من الشركات على استئجار فلل صغيرة
في المجمعات السكنية لعمالها، رغم وجود عائلات وأطفال في المجمع.
كما يلاحظ الزائر للمنطقة تواجد أعداد كبيرة من العمال تقطن في مساكن ضيقة -تقع قرب
محطة الجامعة البترولية وقرب دوار القوس- لا تتوفر فيها أبسط ضروريات الحياة اليومية،
وبجوار بيوت الأسر التي يعتبر أغلبها من أهالي المنطقة الأصليين.
يقول محمد خالد: "تحولت الدفنة مؤخرا إلى منطقة جاذبة للعزاب، وبقدرة قادر أصبحت معظم
المنازل والبيوت الشعبية مكتظة بالعمال. وعمدت الشركات العقارية الكبرى إلى استئجار
أماكن لإقامة عمالها في وسط العمارات السكنية والفلل الخاصة ربما تكون مستغلة انخفاض
أسعار الإيجارات، ولكني ألوم أصحاب هذه المنازل والمجمعات ممن يؤجرون هذه المساكن للعمالة
بحثا عن ريالات أكثر، متناسين حقوق الجار والعائلات التي ستتضرر جراء ذلك".
وأردف محمد بأن تواجد العزاب بملابس تخدش الحياء أمام البيوت وبالشوارع أدى إلى الحد
من حركة العائلات داخل منطقتهم، وباتوا أشبه بالرهائن المحاصرين في منازلهم على حد
وصفه.
وطالب محمد بإلزام كافة ملاك العقارات بعدم تأجير بيوتهم العائلية للشركات التي تستغل
هذه المساكن لإقامة عمالها، وشدد على أن هذه الشركات هي المسؤول الأول عن هذه المشكلة.
العزاب.. ضحية ومتهم
حين دخلنا إلى المساكن التي يعيش فيها عمال إحدى الشركات المحلية الكبرى -التي استأجرت
بيتا شعبيا يقطنه العشرات من عمالها- أصبنا بالذهول من مدى تردي الظروف الصحية فيها،
فالقاذورات منتشرة في كل مكان، والمعدات الثقيلة التي تستخدمها الشركة تعوق الحركة
في البيت الضيق أصلا الذي لا تتعدى مساحته 10 أمتار مربعة للغرفة الواحدة ويسكن فيه
عشرات الأشخاص.
ويقول أبوأحمد الذي يعمل مشرفا على مجموعة من العمال الآسيويين في شركة عقارية، إن
الظروف التي يعيش فيها حاليا لم يكن يتوقع أن تمر عليه في حياته، إلا أن الحاجة أرغمته
على القبول بها.
ويضيف أبوأحمد: "نعيش هنا 15 شخصا في غرفة 3x4 متر، بحيث نتناوب على ساعات النوم والأسرة،
أي أن "الشفت" الليلي ينام نهارا و "الشفت" النهاري ينام ليلا، وبالتالي الغرفة مشغولة
طوال 24 ساعة، ولا وقت لتنظيفها أو تهويتها، وحال الحمامات لا تقل سوءا، فلدينا "شبه
حمام" في البيت بأكمله، أي أن أكثر من 40 شخصا يستخدمون ذات المرفق، ولا يمكننا الاعتراض
ولا رفض السكن في هذه الحالة المزرية؛ لأن الراتب ضئيل ولا يمكننا تأجير سكن ملائم".
* دراسة علمية عن سكن العزاب وسط العائلات
نسبة العمالة تمثل 3 أضعاف عدد المواطنين
وكان المجلس الأعلى لشؤون الأسرة بصدد إعداد دراسة إحصائية حول ظاهرة سكن العزاب في
الأحياء السكنية والمشاكل والتأثيرات التي يسببها تواجد العمال العزاب في المناطق التي
تقطنها العائلات، بحيث تشمل الدراسة -التي تقام بالتعاون مع مركز قطر للعمل التطوعي
وجامعة قطر- توزيع استبيانات من عدة أسئلة على الأفراد والأسر في المناطق التي تتواجد
بها عمالة عازبة في مختلف مناطق الدولة بواسطة متطوعين ومتطوعات من أعضاء المركز.
وتشمل الدراسة توزيع استبيانات مكونة من أسئلة مختارة موجهة للعزاب القاطنين في هذه
الأماكن، واستبيان آخر مغاير موجه للأسر المجاورة لمساكن العزاب، على أن يقوم فريق
البحث بتحليل كل ما نشرته الصحف المحلية حول الظاهرة خلال الأعوام الخمس الأخيرة.
وتهدف الدراسة -التي من المقرر أن ترفع نتائجها إلى الجهات الرسمية- للتوصل إلى حقائق
واقعية تستنتج منها استراتيجية مستقبلية للتعامل مع العمالة العازبة في قطر وأوضاعها،
والبحث في خيارات مستقبلية، من بينها مثلا دراسة إمكانية بناء مساكن خاصة للعزاب، على
أن يتم تحليل البيانات الواردة في برنامج إحصائي (spss) لمعرفة مدى العلاقة بين المتغيرات
بعضها ببعض، كعلاقة العمر مثلا بالمشكلات المسجلة في منطقة معينة.
وتسعى الدراسة بشكل عام إلى تحليل ظاهرة سكن العمالة العازبة في المناطق العائلية والتي
تؤدي إلى إشكالات وعوائق متزايدة، ولا يقتصر البحث على العمالة منخفضة الدخل أو العمالة
الآسيوية فقط، بل يشمل الموظفين المتعلمين وأصحاب الدخل المرتفع نسبيا ممن يتصرفون
تصرفات قد تؤدي لإزعاج العائلات القاطنة بالقرب منهم لأسباب منها اختلاف العادات والثقافات
الاجتماعية وغيرها.
وسيتم سحب العينات الإحصائية بناء على المناطق السكنية المختلفة وتوزيع البلديات الأساسية
في قطر كالدوحة والوكرة والريان والخور والشمال وأم صلال والظعاين حسب تقسيم إحصاء
2008، مع مراعاة عدد سكان كل منطقة ونسبة العمالة العازبة فيها، كما تشمل الاستبيانات
أسئلة عن الحالة الاجتماعية للعامل ومستواه المعيشي والصعوبات التي تواجهه في السكن
وظروفه الصحية، إضافة إلى أسئلة تتعلق بطبيعة العلاقة التي تجمعه بالأسر التي يسكن
بجوارها والمشاكل التي تحصل معهم إن كانت هنالك مشاكل.
يذكر أن نسبة العمالة الوافدة في قطر بكل شرائحها تمثل 3 أضعاف عدد المواطنين؛ لذلك
تسعى الدولة والجهات المختصة لاتخاذ الإجراءات اللازمة للتعامل مع هذا الوضع، ويقوم
مجلس التخطيط حاليا من خلال ورش عمل مع جهات متعددة، منها وزارة الصحة وجامعة قطر والمجلس
الأعلى لشؤون الأسرة بإعداد دراسات وإحصائيات بهدف التوصل لنتائج علمية تساهم في مساعدة
صناع القرار لاتخاذ الإجراءات والتدابير المناسبة للتعامل مع هذه الظاهرة.
قانون
رقم (2) لسنة 2007 بنظام الإسكان
قانون
رقم (4) لسنة 2008 بشأن إيجار العقارات
قرار
مجلس الوزراء رقم (35) لسنة 2007 بإنشاء لجنة الإيجارات المركزية
قرار
مجلس الوزراء رقم (17) لسنة 2007 بأولويات وضوابط الانتفاع بنظام الإسكان