الراية - الخميس 27/5/2010
م
مجلس التعاون
الخليجي.. 29 عاماً من الصمود
المجلس ظل حصناً للدفاع عن القضايا الخليجية والعربية
الدوحة - قنا :
حلت يوم امس -الثلاثاء- الذكرى التاسعة والعشرون لقيام مجلس التعاون لدول الخليج
العربية...هذه المنظومة التي بقيت صامدة في وجه تقلبات الزمن وما ينتج عنها من ظروف
مختلفة مثل الحروب والكوارث البيئية والاقتصادية بفضل ما يتمتع به أصحاب الجلالة
والسمو قادة دول مجلس التعاون من حنكة سياسية ودراية بأمور دولهم وشعوبهم تمكنهم من
اتخاذ القرارات الحاسمة في الوقت المناسب ووضع الأمور في نصابها الصحيح وبالتالي
دفع هذه المنظومة إلى الأمام بكل قوة وثقة.
لقد أثبت مجلس التعاون منذ قيامه فى الخامس والعشرين من مايو عام 1981 وعلى مدى 29
عاماً نجاحه التام واجتاز أصعب المواقف والامتحانات وأصبح من أهم المجموعات
الإقليمية التي تحظى بالاحترام على كل الأصعدة..كما أصبح المجلس رافداً حقيقياً
للعمل العربي المشترك ومدافعاً قوياً عن حقوق الامة وقضاياها العادلة.
ومما لاشك فيه أن قيام مجلس التعاون لم يأت من فراغ وإنما استند إلى مجموعة من
القواسم المشتركة المميزة التي قربت تلك الدول من بعضها وفي مقدمتها الدين واللغة
والتاريخ والجغرافيا والحدود المشتركة وتشابه الأنظمة السياسية والظروف الاقتصادية
والعادات والتقاليد الاجتماعية والتحديات المعاصرة التي أدت مجتمعة إلى قيام المجلس
تجسيداً لرغبة دوله بتحقيق التنسيق والتكامل والترابط بينها في جميع الميادين بما
يخدم أهداف الأمة ويدعم القضايا العربية والإسلامية.
ولدى استعراضنا تلك القواسم بشكل سريع ومبسط فسنجد أن دين الإسلام هو دين جميع شعوب
الجزيرة العربية كما أن الحقب التاريخية التي مرت على المنطقة تكاد تكون متشابهة
جداً.. أما من الناحية الجغرافية لدول المجلس فهي أيضاً تتشابه فأغلب أراضيها عبارة
عن سهول منبسطة وجبال مثل التي في المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان.
ومن العوامل التي تزيد من ترابط دول المجلس الحدود البرية والبحرية فهي تقرب تلك
الدول من بعضها وأيضاً تشابه الأنظمة وكذلك الظروف الاقتصادية التي مرت بها دول
المجلس تتشابه إضافة إلى عوامل اخرى تقرب دول المجلس من بعضها مثل النسب ..فعلى
سبيل المثال هناك الكثير من العوائل في قطر توجد بينها وبين عوائل في البحرين أو
السعودية أو الامارات روابط نسب ومصاهرة والعكس أيضاً.
وإذا كان النفط والغاز هما الثروتان الأساسيتان اللتان حبا الله بهما مجلس التعاون
بالإضافة إلى ثروات أخرى فإن قيادات دول المجلس تضع نصب أعينها المواطن الذي هو
الثروة الحقيقية التي ترتكز عليها مسيرة البناء والنهضة والذي يجب أن تسخر من أجله
جميع الثروات وتستغل الاستغلال الأمثل للنهوض به ورفع مستواه الاجتماعي والعلمي
والاقتصادي والثقافي والصحي ما سينعكس بالإيجاب على شعوب هذه المنطقة.
ولقد حرص قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية منذ قيامه وحتى الآن على تحقيق
إنجازات شتى في ميادين مختلفة انعكست آثارها الإيجابية على تلك الدول وعلى مواطنيها
حيث عم الرخاء والحياة الكريمة ليس فقط للجيل الحالي بل للأجيال القادمة أيضاً من
خلال تنويع مصادر الدخل وعدم الوقوف أمام مدخولات النفط والغاز فقط بل باستثمار
عوائدها.
ومن هذا المنطلق نشعر بأهمية الناحية الاقتصادية التي ركز القادة عليها لإدراكهم أن
الاقتصاد هو عصب الحياة ولابد من الاهتمام به وتطويره لمواكبة أشكال التطور
الاقتصادي العالمي وعدم التخلف عن ركبه حيث تعمقت أواصر الروابط بين دول المجلس في
تلك النواحي وأخذت تعمل على إزالة المعوقات التي تعترض سير عمله وتهيئة البنية
التحتية المواتية لنموه وازدهاره ما يعزز التنمية الشاملة ويعبر عن الواقع الحقيقي
لتطور التعاون الاقتصادي بين دول المجلس.
ولو تتبعنا جزءاً من الناحية الاقتصادية فقط المتعلقة بمسيرة المجلس وهي / السوق
الخليجية المشتركة / والتي أعلن عن قيامها في الدورة الثامنة والعشرين من شهر
ديسمبر عام 2007 بالدوحة لاتضح لنا أن ماتحقق من إنجازات لا يمكن حصره رغم قصر
المدة من انطلاقها بعد أن قفز حجم التجارة البينية لدول مجلس التعاون من 15 مليار
دولار عام 2002 إلى 65 مليار دولار عام 2008 أي بزيادة بلغت نسبتها 327 بالمئة
والتي يتوقع لها أن تزداد في المستقبل.
ومما يؤكد أن دول المجلس قطعت شوطاً هاماً على طريق التكامل الاقتصادي خلال العقدين
الأخيرين خاصة فيما يتعلق بناحية القضاء على القيود التي تحول دون تدفق السلع
والخدمات ورؤس الأموال بينها التقرير الذي أصدره صندوق النقد الدولي بعنوان /
التكامل المالي الإقليمي في دول مجلس التعاون الخليجي / والذي أكد فيه أن التكامل
المالي بين تلك الدول يمضي بمعدلات أسرع مما كان متوقعاً.
وأكد صندوق النقد الدولي في تقريره الذي بثه مؤخراً أن البيانات القليلة الدالة على
الحجم المالي توضح أن التدفقات المالية البينية عبر حدود دول المجلس قد زادت في
السنوات القليلة الماضية على الرغم من أن النظام المالي مازال خاضعاً لهيمنة البنوك
التجارية التي تحد من أهمية تدفق الاصول وعلى الرغم من ذلك فإن التدفق المالي بين
تلك الدول مرشح للتزايد بانتظام في المدى المتوسط.
كما بحث تقرير الصندوق أسعار الأسهم التي تدرج بسوقين ماليتين أو أكثر في الوقت
نفسه في بورصات دول مجلس التعاون .. كما بحث عدداً من الظواهر الأخرى التي تستخدم
كمعايير لتقييم درجة ومعدلات التداخل والتكامل الماليين بدول المجلس حيث انتهى إلى
أن درجة التكامل المالي بين الدول الأعضاء في المجلس تمضي بوتيرة متسارعة تفوق
مثيلاتها في تجمعات إقليمية أخرى.
وخلص التقرير إلى استنتاج مفاده أن أسواق الأوراق المالية في دول المجلس أكثر
تكاملاً فيما بينها رغم بعض المشكلات المحدودة كما هي الحال في أغلب دول الاقتصادات
الصاعدة الأخرى ما يؤكد أن هذه دول تواصل جهودها لتوحيد وتطوير سياساتها الاقتصادية
والتجارية ما سينعكس بالايجاب على التنمية الشاملة لدول مجلس التعاون.
يذكر أن أصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون التقوا بقاعة الاجتماعات
الكبرى بفندق / إنتركونتننتال / أبوظبي يوم الاثنين الخامس والعشرين من شهر مايو
عام 1981 حيث اتفقوا على إنشاء مجلس يضم دولهم الست يسمى مجلس التعاون لدول الخليج
العربية يبعث أماني الوحدة والتكاتف في قلوب أبناء المنطقة ويؤكد دورهم الحر
والمستقل في التفاعل مع روح العصر ومتغيراته التكنولوجية والاقتصادية والسياسية بما
يضمن إحقاق الحق ونشر العدل وترسيخ قواعد السلام والحرية في كل مكان .
ووقع أصحاب الجلالة والسمو في الجلسة الافتتاحية التي أعلنت هذا الحدث التاريخي
الهام على النظام الأساسي للمجلس فكانت لحظة التوقيع بمثابة الميلاد الفعلي لمجلس
التعاون وبدء مسيرته المباركة في التعبير عن آراء هذه الدول وحقها في الدفاع عن
أمنها وصيانة استقلالها .. كما أعلن مؤسسوه أنه ليس موجهاً ضد أحد كما أنه ليس
تكتلاً منفصلاً عن محيطه العربي والإسلامي والدولي لكنه ترسيخ لأسس التنسيق التى
كانت قائمة بين دول المنطقة.
لكن كانت هناك خطوات مهدت لتوقيع أصحاب الجلالة والسمو على النظام الأساسي للمجلس
تمثلت في عقد وزراء خارجية دول المجلس ثلاثة اجتماعات الأول في فبراير عام 1980
بالرياض حيث تم التوقيع على وثيقة إعلان قيام مجلس التعاون وبمسقط في مارس بإقرار
مشروعات النظام الأساسي وفي مايو من العام نفسه بأبوظبي للإعداد لأول قمة لأصحاب
الجلالة والسمو قادة دول المجلس.
وقد لقي إعلان قيام المجلس إشادة وترحيباً على المستويين العربي والدولي فقد وصفت
جامعة الدول العربية إقامة المجلس / بالحدث التاريخي العظيم / لأنه سيمكن دول
الخليج من تنسيق جهودها وتنظيم أعمالها في كل الميادين الهامة والجوهرية خاصة في
ميادين الأمن والتنمية.
أما على الصعيد الدولي فقد جاءت تهنئة الامم المتحدة بإعلان قيام مجلس التعاون
وتمنياتها له بالعمل الايجابي المثمر بين دول المنطقة.