جريدة الراية 21 يوليو 2010م
مطلوب تعديل قانون المرافعات
المدنية والتجارية لمواكبة المتغيرات
بعض المتقاضين يستغلون
ثغرات القانون لتعطيل الفصل في الدعوى
المباني الحالية "مكاتب إدارية" لا تصلح لتكون قاعات للمحاكم
لن يرضى القضاء التضحية باعتبارات العدالة في سبيل سرعة الإنجاز
العدالة غير الميسرة والبطيئة ظلم .. والحقوق لا تحتمل التأخير
بات ضرورياً أن يتطور الجهاز القضائي في أسلوب عمله وأدائه
حوار- سميح الكايد:
كشف البيان الإحصائي السنوي الذي أصدره المجلس الأعلى للقضاء مؤخراً عن زيادة كبيرة
في عدد القضايا المتداولة في جميع درجات المحاكم وأنواعها، والتي بلغ عددها 85911 دعوى
بما فيها القضاء المستعجل والتنفيذ والدعاوى المدنية والجنائية والأسرة والتركات وشؤون
القاصرين والعمالي والإداري.
الاحصائيات اثارت جدلا ساخنا حول اسباب زيادة المنازعات المنظورة أمام المحاكم بشكل
غير مسبوق، وكيفية تطوير الجهاز القضائي في اسلوب عمله وأدائه مع التطور الذي يشهده
المجتمع ؟ تساؤلات وضعناها على مائدة الحوار مع المحامي والفقيه القانوني الاستاذ يوسف
الزمان.
يؤكد الزمان لـ الراية ان قضاة المحاكم يبذلون في عملهم أقصى ما يطيقون من جهد، ويقدمون
كل ما في طاقتهم من عطاء، لكن العبء الملقى على عاتقهم كبير نتيجة للزيادة الكبيرة
في عدد القضايا والمنازعات المدنية والجنائية والعمالية والإدارية ولن يرضى القضاء
تحت أي ظرف من الظروف أن يضحي باعتبارات عدالة الحكم وأصالة الرأي في سبيل سرعة الإنجاز
.. إلا أنه في الوقت نفسه فإن العدالة غير الميسرة والبطيئة نوع من الظلم، خاصة أن
هناك من الحقوق ما لا تحتمل تأخيراً، وخصومات يختل الأمن بها ما لم تحسم فوراً.. عندها
نفقد العدالة.. وإلى تفاصيل الحوار:
- القضاء هو صمام أمن المجتمع .. إلى أي حد يؤثر تيسير إجراءات التقاضي على تحقيق العدالة
المنشودة؟
-- منذ أن اضطلعت الدولة بمهمة العدالة، وهي لا تبيح للأفراد أن يقتضوا حقوقهم بأيديهم
بالقوة بعضهم من بعض، بل أوجبت على من يدعي حقاً قبل آخر أن يلجأ إليها ، لتمكينه من
حقه أو لحمايته له، وبذلك أصبح من أخص وظائف الدولة إقامة العدل بين الناس.
وما دام القضاء عملاً عاماً تستأثر الدولة بتنظيمه وممارسته، فقد وجب أن يكون ميسوراً
للأفراد من مختلف نواحيه، سهل الإجراءات وأن يكون في متناول الكافة، وألا يكون باهظ
التكاليف.
من هنا فإن اهتمام الدول بشؤون العدالة يأتي في المراتب العليا من اهتماماتها إذ ان
القضاء هو صمام أمن المجتمع، وهو لا يقل أهمية عن الدفاع والتعليم والصحة ذلك أن العدالة
أمر يمس صميم حياة المواطنين الذين يجب أن تتوافر لهم الضمانات اللازمة من أجل اقتضاء
حقوقهم وحماية أرواحهم وأموالهم. تلك الحقوق والأرواح التي قد تضيع إذا لم تجد لها
عدالة ناجعة ميسرة، فيختل الأمن وتعم الفوضى.
وهكذا فإن جميع الدول ومنها دولة قطر تولي القضاء الذي تقوم به المحاكم اهتماماً بالغاً...
فتقوم بنشر مرافق العدالة على جميع مدن وقرى أقاليمها... وتحشد الطاقات البشرية ذات
الكفاءة العلمية والمدربة علمياً، والإمكانيات المادية من مبان ومراكز وتصدر التشريعات
الإجرائية والموضوعية التي تتناسب مع حركة المجتمع وتطوره وحاجته، لتصل العدالة ميسرة
وناجعة إلى كل محتاج.
- كيف يمكن تحقيق تطوير المنظومة القضائية؟
-- العدالة في أي مجتمع لا تقف عند حد معين، بل هي متطورة، ومتجددة مع حركة المجتمع،
فهي بذلك تحتاج إلى رعاية ومتابعة من قبل الجهاز المسؤول وهذا يقتضي دراسة ومراجعة
وتقييما مستمرا لقوانين الدولة، وخاصة الإجرائية منها، والمنظمة للنظام القضائي لاستبعاد
كل خطوة أو إجراء يعيق العدالة، وإضافة إجراءات سهلة تكرس العدالة.. عندها تشيع الطمأنينة
في النفوس ويأمن الناس على معاملاتهم وتنشط الحياة في المجتمع على كافة الأصعدة، وخاصة
الاقتصادية منها.
- هل يؤثر بطء اجراءات التقاضي على سير العدالة؟
-- العدالة غير الميسرة والبطيئة نوع من الظلم، وهناك من الحقوق ما لا تحتمل تأخيراً،
وخصومات يختل الأمن بها ما لم تحسم فوراً.. عندها نفقد العدالة.
من هنا جاء الدستور القطري يؤكد على أن التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة، ويبين القانون
إجراءات وأوضاع ممارسة هذا الحق . ويعتبر حق التقاضي من الحقوق الطبيعية للإنسان إذ
لكل فرد وقع اعتداء على حق من حقوقه أن يلجأ إلى القضاء لطلب الحماية لرد وقف ذلك الاعتداء.
والقضاء هو عنوان نهضة كل دولة، ومعيار تقدمها ومظهر رقيها.
وما من دولة تخلف فيها القضاء، إلا تخلفت عن ركب المدنية وأسباب الارتقاء.
والقضاء المتمثل في المحاكم هو جهاز قانوني يؤدي دوراً محدداً في حياة الشعوب، يتمثل
في حماية النظام القانوني، والعمل على استمرار سريانه في الواقع الفعلي تحقيقاً لحماية
الحقوق والمصالح التي أراد القانون حمايتها .
من هنا بات ضرورياً أن يتطور الجهاز القضائي في اسلوب عمله وأدائه مع التطور الذي يصيب
المجتمع ويواكب ذلك التطور ويعايشه بل يسبقه ليتمكن من اداء رسالته على أكمل وجه.
وبإطلالة سريعة على القضاء عندنا والمتمثل في المحاكم بكافة درجاتها وأنواعها نرى أن
التطورات السريعة التي حققتها الدولة على الأصعدة الاقتصادية والإجتماعية والعمرانية
والتعليمية نتج عنها زيادة كبيرة في أعداد القضايا والمنازعات المنظورة أمام المحاكم
بشكل غير مسبوق.
- هل يمثل زيادة عدد المنازعات هاجساً يؤرق العدالة.. وعبئا إضافيا على القضاة؟
-- أشير هنا إلى البيان الإحصائي السنوي الذي صدر عن المجلس الأعلى للقضاء مؤخراً بأن
عدد القضايا المتداولة في جميع درجات المحاكم وأنواعها بلغ 85911 دعوى بما فيها القضاء
المستعجل والتنفيذ والدعاوى المدنية والجنائية والأسرة والتركات وشؤون القاصرين و"العمالي"
و"الإداري".
ولا بد هنا من التقرير بأن السادة قضاة المحاكم يبذلون في عملهم أقصى ما يطيقون من
جهد، ويقدمون كل ما في طاقتهم من عطاء، لكن العبء الملقى على عاتقهم كبير نتيجة للزيادة
الكبيرة في عدد القضايا والمنازعات المدنية والجنائية والعمالية والإدارية ولن يرضى
القضاء تحت أي ظرف من الظروف أن يضحي باعتبارات عدالة الحكم وأصالة الرأي في سبيل سرعة
الإنجاز لأن ذلك ما تأباه رسالته، إيماناً منه بأنه لا خير في كثير غث، ولا في إنتاج
لا تباركه الأناة، ولا يصحبه التريث، وإنما تصان الحرمات وترد الحقوق بالحكم الصائب
والرأي المتأني.
- ماهو ترتيب المحاكم وتنظيمها في دولة قطر؟
-- خطا القضاء القطري خطوة كبيرة نحو الارتقاء بصدور قانون السلطة القضائية رقم 10
لسنة 2004 والمبين من المادة الرابعة من هذا القانون على أن المحاكم في دولة قطر تتكون
من:
1-محكمة التمييز
2-محكمة الاستئناف
3-المحكمة الإبتدائية
وتختص كل منها بالفصل في المسائل التي ترفع إليها طبقاً للقانون وتحتل محكمة التمييز
المرتبة الأولى في ترتيب المحاكم ووظيفتها الأساسية هي النظر فيما يرفع إليها من طعون
في الأحكام الصادرة من محاكم الاستئناف إذا كان الحكم المطعون فيه مبنياً على مخالفة
القانون أو خطأ في تطبيقه أو في تأويله، وإذا وقع بطلان في الحكم أو في الإجراءات أثر
في الحكم، وكذلك النظر في الطعون في الأحكام النهائية أياً كانت المحكمة التي أصدرته.
ومحكمة الاستئناف تختص بالفصل في الاستئنافات التي ترفع إليها عن الأحكام الصادرة بصفة
ابتدائية من المحكمة الكلية ومن قاضي الأمور المستعجلة بالمحكمة الكلية.
وتختص المحكمة الإبتدائية مشكلة من ثلاثة قضاة ويشار إليها بـ (المحكمة الكلية) بالحكم
ابتدائياً في الدعاوى والمنازعات المدنية والتجارية والعقود الإدارية التي تزيد فيها
قيمة الدعوى على مائة الف ريـال، والدعاوى مجهولة القيمة، والدعاوى والمنازعات الخاصة
بالأحوال الشخصية والتركات. ويكون حكمها نهائياً في دعاوى الميراث والوصية والوقف والمهر
إذا كانت قيمة الدعوى لا تزيد على ثلاثين ألف ريـال. ودعاوى زيارة المحضون والسفر به
وسكنه وأجرة الحاضنة.
كما تختص بالحكم في الطلبات العارضة أو المرتبطة بالطلب الأصلي مهما تكن قيمتها أو
نوعها. وتختص وحدها دون غيرها بالفصل في دعاوى الإفلاس والصلح الواقي من الإفلاس ودعاوى
الحيازة وغير ذلك من الدعاوى التي ينص القانون على اختصاصها بها بغض النظر عن قيمتها.
وتختص أيضاً بالحكم في الاستئنافات التي ترفع إليها عن الأحكام الصادرة من المحكمة
الجزئية أو من قاضي الأمور المستعجلة بها. وتختص المحكمة الابتدائية مشكلة من قاض فرد
ويشار إليها بـ ( المحكمة الجزئية ) بالحكم ابتدائياً في جميع الدعاوى والمنازعات المدنية
والتجارية والعقود الإدارية التي لا تزيد فيها قيمة الدعوى على مائة ألف ريـال.
- ماهي أهم أسباب بطء إجراءات التقاضي؟
-- بطء التقاضي مشكلة تعاني منها معظم الأنظمة القضائية في العالم وليس في قطر فقط،
وفي اعتقادي الخاص أن البطء في التقاضي في النظام القضائي القطري يعود إلى 3 أسباب
أولها يتعلق بالتشريع الإجرائي، وثانيهما يتعلق بالخصوم أنفسهم، وثالثها بمقرات ومباني
المحاكم.
- ماذا تعني بالتشريع الاجرائي كسبب لبطء إجراءات التقاضي؟
-- يعود السبب الرئيسي لبطء اجراءات التقاضي إلى قانون المرافعات المدنية والتجارية
الصادر في عام 1990 إذ لم يقم المشرع بإجراء أي تعديل عليه لمواكبة التطورات السريعة
التي أصابت المجتمع القطري إذ لم تعد قواعد المرافعات بوضعها الحالي قادرة على مواجهة
الكثير من المشكلات لا سيما مع زيادة تعقيدات المنازعات واختلاف ذمم الناس واللجوء
إلى المراوغة والمكر والحيل القانونية واللدد في الخصومة والنكاية والتسويف والمماطلة.
والحقيقة أننا في السنوات الأخيرة نعايش هذه الأمور للأسف الشديد وهي أمور ممقوتة حلت
محل السماحة والإقرار بحقوق الآخرين والثقة والذمة والخلق القويم الذي كان يتحلى به
الخصوم في ساحات القضاء.
- ما هو الحل لمواجهة ذلك التحدي؟
- يجب أن يتدخل المشرع لجعل قانون المرافعات المدنية والتجارية متوافقاً مع هذه المتغيرات
التي حدثت في المجتمع القطري. وللأسف الشديد أن ما نراه ونسمعه في المحاكم من خلال
القضايا المعروضة يشير إلى أننا فقدنا فعلاً السماحة وأصبح كل خصم يريد الإجهاز على
خصمه بالحق والباطل وأن يجعل من ساحات المحاكم مكاناً للتشهير بخصمه ومضايقته والضغط
عليه وتستغل الدعوى القضائية وتنحرف عن مسارها وتصبح عملاً تعسفياً لا يقره القانون
وعلى سبيل المثال يعتبر من قبيل الكيد والتعسف واستغلال ورع الخصم وتدينه قيام المدعي
الاحتكام إلى ذمة المدعى عليه بتوجبه اليمين الحاسمة وهو يعلم بأن الأخير لن يحلفها.
وكذلك ما يحصل في الواقع العملي أن يتعمد المدعي إعلان المدعى عليه على عنوان لا صلة
له به على الإطلاق ويقصد من ذلك عدم وصول الإعلان إليه ويفاجأ المدعى عليه بصدور حكم
عليه دون علمه.
جميع تلك الأمور وغيرها من صور لا بد أن يتصدى لها المشرع بقواعد واضحة وصريحة ضمن
قانون المرافعات وأرى أن الوقت قد حان ومع الزيادة الكبيرة في أعداد القضايا المدنية
المنظورة أمام المحاكم أن يعاد النظر في مسألة النفاذ المعجل لجميع الأحكام المقرر
بمقتضى المادة 374 مرافعات إذ أنه من الناحية العملية ثبت أن تنفيذ الأحكام المدنية
غير النهائية ساعد على زيادة أعداد القضايا وإشغال القضاة والجهاز الإداري في المحاكم
بتظلمات وإشكالات في التنفيذ إذ غدت القضية الواحدة تفرخ عدة قضايا وعلاج ذلك هو النص
على عدم تنفيذ الأحكام المدنية إلا بعد أن تكون نهائية.
- وماذا عن دور الخصوم في بطء إجراءات التقاضي؟
-- الخصوم أنفسهم ان كانوا مدعين أو مدعى عليهم لهم دور في تأخير الفصل في الدعاوى
القضائية، مثلاً يستطيع المدعى عليه أن يوظف ويستغل نصوص قانون المرافعات لتعطيل الفصل
في الدعوى، إذ يستطيع الامتناع عن استلام الإعلان حتى يعاد إعلانه مرة أخرى كسباً للوقت.
إن قانون المرافعات المدنية والتجارية بوضعه الحالي، يسمح ويعطي للخصوم مدداً وآجالا
طويلة لأسباب مختلفة ومتنوعة حقيقية أو وهمية ولا نبالغ في القول بأن الخصم يستطيع
أن يمسك بدفة الدعوى ويوجهها الوجهة التي يريد دون قيد أو شرط إما لتقديم مستندات أو
بطلب الإطلاع والرد أو لتبادل المذكرات وغيرها من الأسباب العديدة جميع ذلك يؤدي إلى
إطالة أمد التقاضي وزيادة أعداد القضايا على منصات القضاء، وازدحام المحاكم بأعداد
هائلة من القضايا والخصومات بما يتسبب في بطء إصدار الأحكام وتنفيذها.
- وما هو تأثير مقرات ومباني المحاكم على تعطيل سير العدالة؟
- - مباني المحاكم الحالية التي تضم المحاكم المدنية والجنائية تعتبر في اعتقادي غير
مناسبة ومن غير المستطاع تقديم خدمات سهلة وميسرة للجمهور من خلال الأبنية الحالية
والتي تعتبر من النواحي الهندسية غير مناسبة كمبان للمحاكم ذلك أنه منذ القدم عمدت
جميع الدول إلى إقامة وبناء أبنية خاصة ووفقاً لعمارة هندسية متخصصة للأماكن التي يلجأ
إليها الناس طلباً لفض المنازعات التي تنشأ بينهم، تراعى في تصميم هذه المباني جملة
من العوامل منها فخامة هذه المباني واتساع ردهاتها وقاعاتها ومكاتبها و أقسامها بحيث
تستطيع هذه المباني تقديم أفضل الخدمات لجمهور المتقاضين ويجد فيها القضاة قاعات مريحة
ومتسعة وآمنة وفخمة تضفي على القضاء الرهبة والاحترام وتعتبر أبنية المحاكم عنصراً
وركناً رئيسياً من أركان أداء العدالة في الدولة.
من هنا فإن مباني المحاكم الحالية بوجه عام والتي هي أصلاً بنيت كمبان إدارية وصممت
لمكاتب عادية لا تصلح لأن تكون لمحاكم مدنية وجنائية لافتقادها التخطيط المناسب والاتساع
الملائم والفخامة التي يجب أن يتصف بها مبنى المحكمة وهي تفتقد إلى القاعات المتسعة
والردهات الواسعة والمكاتب.
كما وأن وصول الجمهور إلى المحكمة والقاعات غير سهل لا سيما وأن معظم قاعات ومكاتب
المحاكم تقع في الأدوار العليا التي تحتاج للوصول إليها مصاعد كهربائية.
من هنا يتعين إعادة النظر في الاستعانة بعمارات إدارية وتحويلها إلى محاكم والعمل على
بناء محاكم وفقاً لمخططات هندسية متخصصة على أن يخطط لبناء مجمع متكامل للمحاكم يراعى
في تخطيطه وتصميمه البناء الأفقي وتوفير مواقف السيارات للجمهور والموظفين بحيث يساهم
هذا المجمع في خدمة العدالة.