قطر - جريدة الراية
- الثلاثاء 12 رجب 1432 الموافق 14يونيو 2011
أكد
أن غياب العدالة قهر الشعوب.. يوسف الزمان لـ الراية :
عدم استقلال القضاء فجر الثورات العربية
حوار - سميح الكايد:
"ترزية القوانين" صنعوا الأنظمة الاستبدادية ولم يحموها من الانهيار
الطغاة العرب استهانوا بإرادة شعوبهم وعصفوا باستقلال القضاء
بعض الرؤساء شكلوا محاكم استثنائية غير عادلة لمعارضيهم
استهانة الحكام بالأحكام القضائية وراء تعمد عدم تنفيذ أحكام القضاء
أكد رئيس محكمة الاستئناف الأسبق والمحامي يوسف أحمد الزمان أن اعتداء السلطة
التنفيذية على استقلال القضاء وراء موجة الغضب ، والثورات الشعبية التي اجتاحت بعض
الدول العربية .
وكشف في حوار خاص مع الراية عن اعتماد النظم الاستبدادية على ما يعرف بـ" ترزية
القوانين" ساهموا في افساد الحياة السياسية ، ولم تحم تلك النظم الاستبدادية من
الانهيار المدوي ، رغم محاولات تحصينها تشريعيا للاستقواء على كافة السلطات ،
وتقنين جرائمها ضد شعوبها المقهورة.
وأكد الزمان أن استقلال القضاء نقلة حضارية للدولة الحديثة في الفكر القانوني، وان
الديمقراطية وتعزيز استقلال القضاء وكفالة حقوق الانسان وضمان الحريات العامة هي
الدعائم الحقيقية للانظمة المستقرة التي تحترم ارادة شعوبها.
واشار الى ان المشرع القطري كان حريصا على التأكيد في دستور الدولة على ان استقلال
القضاء هو اهم الضمانات القضائية لتحقيق العدالة وصون الحريات العامة ، وهو ما حرصت
عليه السلطة التنفيذية بتجنب التعرض لاستقلالية القضاء ، واعتباره الحصن الاول
والاخير للعدالة والحرية والمساواة ، والتأكيد على أن سيادة القانون هي أساس الحكم
الرشيد .. وان استقلال ونزاهة القضاء اهم ضمانات حماية حقوق الانسان وكفالة الحريات.
وأكد أن القضاة في قطر مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون ولا يجوز
لأية جهة التدخل في القضايا أو في سير العدالة وأن القضاة غير قابلين للعزل ،
والتقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة.. وفيما يلي تفاصيل الحوار.
في البداية .. كيف ترى موجة الثورات العربية من منظور قانوني؟
- نحن امام انظمة قمعية ، استهانت بإرادة شعوبها ، واستمرأت انتهاك استقلالية
القضاء ، والعمل على تقنين انتهاكاتها الصارخة للدساتير والقوانين والمعاهدات
الدولية للحقوق والحريات ، واعتمدت على جيش من " ترزية القوانين" لتفصيل قوانين على
هوى تلك الانظمة ، فكانت غضبة الشعوب العارمة التي عصفت بعروش الطغاة والمستبدين .
هل كانت ديمقراطية تلك الانظمة "ديكورية" ؟
- بلا شك .. ولذلك لم يمنع ترزية القوانين انهيار تلك الانظمة التي كانت تتحدث عن
حقوق الانسان بينما تقمع شعوبها،وتعطل احكام القضاء ،وتعصف باستقلال القضاء ،وبات
واضحا ان كل انتهاكاتها التي سعت لتقنينها تضرب بالدساتير والقوانين عرض الحائط.
هل الاعتداء على استقلالية القضاء كان المحرك لهذه الثورات؟
- هي الشرارة الاولى ونقطة الارتكاز .. فالسلطة التنفيذية في تلك الانظمة هي الحاكم
الاول والأخير ، ويتحكم في السلطة التشريعية ويسيرها ، ويتحكم في تنفيذ القانون ،
ويعتدي على استقلالية القضاء ، فغابت العدالة وشعر المواطن بأن حقوقه مهدرة ،
وحريته لا قيمة لها ، خاصة في ظل الفساد والممارسات الاحتكارية ، وارتفاع نسبة
البطالة ، وكلها تجاوزات ضد القانون ، فكان ان تحركت الجماهير لاستعادة كرامتها
وحريتها.
هل لك ان تقدم امثلة واقعية على هذه الصورة؟
- بعض الرؤساء العرب قام بإصدار تشريعات تمنحه سلطة تشكيل محاكم استثنائية لمحاكمة
معارضيهم السياسيين وتوقيع اقصى العقوبة عليهم ، وهو ما عرف بمحاكم الطوارئ التي
ثبت عدم دستوريتها لعدم توافر ضمانات المحاكمة العادلة فيها.
وللأسف الشديد الانتهاكات التشريعية لضمانات التقاضي في عالمنا العربي كثيرة وخطيرة
كان من آثارها هذا الانفجار المدوي الذي حصل في الشوارع العربية نتيجة لتراكم السخط
الشعبي وسيطرة الظلم على الناس ، وصدق من قال إن أخطر الضربات التي وجهت إلى أماني
الشعب العربي في الحياة،مصادرة حق التقاضي الذي مارسه الحكام العرب الذين عشقوا
الكراسي وما نزلوا عنها إلا قتلى أو مشردين.
كيف يبدو استقلال القضاء في المجتمعات العربية؟
- تحيط به الكثير من التساؤلات والضبابية وليس هو الاستقلال الذي استقر في الوعي
القانوني الإنساني والدولي ، فلا يكفي مجرد النص على مبدأ استقلال القضاء وعلى حق
الإنسان في التقاضي في الدساتير العربية ، ولو رجعت إلى جميع الدساتير العربية
لقرأت هذا النشيد المشترك عن استقلال القضاء وهو أمر إيجابي ولكن العبرة بالواقع
وتفعيل هذا المبدأ وإحساس كل مواطن بذلك لأن مبدأ إستقلال القضاء وحق الإنسان في
التقاضي لا يمكن ضمان فاعليتهما في الواقع إلا في سياق ضمان احترام حقوق الإنسان
بصفة عامة.
هل هناك تلازم وارتباط ما بين استقلال القضاء وحقوق الإنسان؟
- لا يمكن أن تضمن حق الإنسان في الحياة والتنقل والتعبير والمشاركة وحظر التعذيب
والاعتقال والحط من الكرامة دون استقلال القضاء ، لأن القضاء المستقل هو الذي يعصم
الدماء ويطلق الحريات ويحفظ الأموال ، والقوانين التي يبدعها المشرع أياً كان حظها
من العلو لن تبلغ الغرض من سنها إلا إذا توافر على إعمالها قضاء مستقل لا يبتغي إلا
إدراك مراميها وفرض سلطانها على الكافة دن تمييز أو تحيز .
هل تم تقييد القضاء في الانظمة الاستبدادية؟
- نعم .. فلا معنى لاستقلال القضاء إذا لم تكن سلطة القضاء تمتد لتشمل كافة
المنازعات في الدولة، والتشريع الذي يصادر حق التقاضي أو يقيد هذا الحق يعتبر غير
دستوري ويشكل اعتداء على السلطة القضائية ، وإذا كان للمشرع في القوانين العربية
سلطة تنظيم القضاء فإن هذه السلطة ينبغي ألا تصل إلى حد هدر التقاضي لأن حق الفرد
في أن يجد لكل خصومة قاضياً هو حق استقر في الضمير العالمي.
استقلال القضاء يحقق السلام الاجتماعي في الدولة ، فكل شخص يلحق به ظلم يحتاج إلى
جهة مستقلة لإنصافه حتى يأمن على نفسه وحقوقه من الضياع ، إذ بدون قضاء مستقل فإن
الطرف القوي في أي نزاع يستطيع أن يعطل حكم القانون أو يستأثر به لمصلحته.
كيف يتحقق استقلال القضاء فعليا في الانظمة القضائية العربية ؟
- استقلال القضاء أصبح في الحاضر من المبادئ الراسخة في ضمير الجماعة باعتباره من
الضروريات اللازمة لتحقيق عدالة فعالة تقوم على ضمان وصيانة حقوق وحريات الأفراد
وحماية الطرف الضعيف ضد الطرف القوي ، سواء كان فرداً ذا نفوذ ، أو سلطة عامة أرادت
أن تجور على حقوق فرد أو حريته ، وذلك بتأكيد سيادة حكم القانون عليها لكي لا تسود
شريعة الغاب فينهار بنيان المجتمع.
والمشرع القطري كان حريصا على التأكيد في دستور الدولة على ان استقلال القضاء هو
اهم الضمانات القضائية لتحقيق العدالة وصون الحريات العامة ، وهو ما حرصت عليه
السلطة التنفيذية بتجنب التعرض لاستقلالية القضاء ، واعتباره الحصن الاول والاخير
للعدالة والحرية والمساواة ، والتأكيد على أن سيادة القانون هي أساس الحكم الرشيد
.. وان استقلال ونزاهة القضاء اهم ضمانات حماية حقوق الانسان وكفالة الحريات ،
فالقضاة في قطر مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون ولا يجوز لأية جهة
التدخل في القضايا أو في سير العدالة وأن القضاة غير قابلين للعزل ، والتقاضي حق
مصون ومكفول للناس كافة.
استقلال القضاء لن يتحقق الا إذا تحقق أمران لازمان لا يغني أحدهما عن الآخر وهما
الأول :أن يكون القضاء سلطة من سلطات الدولة تتصف بالحياد ، وأن يختص القضاء دون
غيره بالفصل في القضايا وخصومات ومنازعات الناس ، وحمل ميزان العدل والإنصاف لا
يعلوه سلطة أو سلطات غير إحقاق الحق ، وتطبيق قواعد القانون.
والثاني :أن يباشر رجال القضاء ( القضاة ) المهمة الجليلة المنوطة بهم دون تدخل من
قبل أية جهة كانت ، بحيث يكون قضاؤهم صادراً عما استقر في ضمائرهم ، فتصدر أحكامهم
وفقاً لما قرره القانون ، وبما يتفق مع العدالة ، لا يخافون في الحق لومة لائم.
مامدى ارتباط القضاء بتقدم وتطور الدول والمجتمعات البشرية؟
- استقلال القضاء يعتبر نقلة حضارية خطتها الدولة الحديثة في مجال الفكر القانوني
بعد أن كان القضاء يقوم به الحكام ورجال الدين.
وأصبح استقلال القضاء مبدأ مقدساً ناشئا عن المكانة الرفيعة للقضاء في جميع الدول
المتحضرة . وأصبح العدل هو من أسمى الحقوق للمواطن ، ومن أعز آماله ، وأغلى أمانيه
، وهو في ذات الوقت واجب من أقدس واجبات الدولة إزاء مواطنيها ، والقضاء في كل دولة
هو عنوان نهضتها ومعيار تقدمها ومظهر رقيها وما من دولة تخلف فيها القضاء إلا تخلفت
عن ركب المدنية وأسباب الإرتقاء.
ماهي من وجهة نظركم طبيعة العلاقة بين القضاء وصورة الحكم في أي دولة؟
- هناك عملية تلازم بين الجانبين لان أي نظام في العالم لايمكن له ان يشهد النجاح
ما لم يؤسس لقضاء عادل ومستقل وقوي لان مثل هذا القضاء يشكل ركيزة لقوة الدولة
ودافعا قويا لمقومات تقدمها وتطورها.
فالقضاء هو سياج الحقوق وموئل المظلوم وحامي الحريات ، وهو السلطة العليا القائمة
في كل دولة على إرساء قواعد العدالة وبسط أسباب الاطمئنان والأمن والسلام إلى كل من
تظلهم سماء الدولة ، ويوم يفقد المواطنون ثقتهم بالعدالة تتعرض الدولة كما يتعرض
نظام الحكم فيها إلى أشد الأخطار.
كيف ترى مستقبل القضاء العربي في ضوء المعطيات والمستجدات؟
- العدالة أصبحت مطلباً عسير المنال وسيطر الظلم على الناس بعدم قدرتهم اللجوء إلى
جهة تنصفهم لحماية أعراضهم وأنفسهم وحقوقهم وتراكم السخط في الصدور بعد أن أصبحت
الحريات لا قيمة لها والظلم ينتشر وأساليب القمع والإرهاب طغت على الشرعية والقانون
وأصبحت حقوق الناس في مهب الريح فخرج الناس عن بكرة أبيهم لمحاربة ذلك الظلم
والاستبداد الذي تجذر في أعماقهم وكان دافعاً لهم للتغيير، لأن العدالة بالنسبة
للشعوب هي مسألة حياة أو موت فإذا افتقدت العدالة كان لا مفر من الثورة للقضاء على
الظلم ودك قواعده وهذا ما أشعل الثورة الفرنسية سنة 1789 للدفاع عن الحقوق والحريات
والقضاء على الظلم والفساد والاستخفاف بالقوانين.
بماذا تفسر اصرار النظم الاستبدادية على عدم تنفيذ احكام القضاء؟
- مرده هو النفسية الدكتاتورية والبوليسية المهيمنة على أصحاب القرار في تلك الدول
والتي تضيق بالأحكام والقرارات القضائية التي تلغي قراراتهم باعتبار أن كلمتهم يجب
أن تعلو كلمة القانون وقراراتهم يجب أن تبقى بمنآى عن الإلغاء.
وتزداد الصورة أكثر بؤساً لمبدأ استقلال القضاء في الدول العربية تلك الاعتداءات
الخطيرة التي تعرض لها أشخاص القضاة بعزلهم من مناصب القضاء في تحد سافر للمواثيق
الدولية والدساتير الوطنية والقوانين السارية ، مئات من رجال القضاء تم عزلهم
وإبعادهم عن مناصبهم بل والاعتداء عليهم وإهانتهم .
كيف يتحقق الاستقلال الامثل للقضاء؟
- لن يتحقق ذلك إلا بالتقيد الكامل بالنصوص الدستورية الضامنة لاستقلال القضاء
واحترام المواثيق والمعاهدات الدولية ، وكفالة حق التقاضي للجميع ، وإلغاء كافة
التشريعات التي تتعارض مع مبدأ استقلال القضاء والتي تحيل بين المحاكم وبين النظر
في قضايا بذاتها أو إخراج منازعات بعينها من اختصاص القضاء ، عندها سوف يأمن الجميع
على أنفسهم وحقوقهم من الضياع ، وتستقر المجتمعات وتنشط الحياة في المجتمع على كافة
الاصعدة وخاصة الاقتصادية منها والاجتماعية والسياسية والصحية والتعليمية .وأرى
وفقا للمعطيات والمتغيرات التي يشهدها الشارع العربي مطالبة بالحرية والديمقراطية
ان هناك حالة من بدء تعضيد دور القضاء في مثل تلك الدول التي كانت تمتثل لقضاء مسيس
لخدمة الأنظمة الفاسدة فيها وتلوح في الأفق مؤشرات على تعديل المسار القضاء وإعادة
هذا الحقل الهام في حياة الدول والشعوب إلى مساره المستقل والنزيه.
قانون
رقم (10) لسنة 2003 بإصدار قانون السلطة القضائية
مرسوم
بقانون رقم (21) لسنة 2010 بتعديل بعض أحكام قانون السلطة القضائية الصادر بالقانون
رقم (10) لسنة 2003
القيادة
القطرية حريصة على استقلال القضاء
استقلال
القضاء يحتاج إلى إرادة سياسي