قطر- جريدة الراية-
السبت 06 صفر 1433 الموافق31 ديسمبر2011
مئات التظلمات
وإشكالات التنفيذ أمام المحاكم دون مبرر
في دراسة جديدة عن
تطوير القضاء تنشرها الراية.. الزمان:
قانون المرافعات يحتاج إلى تعديل تشريعي
لا يوجد قانون لتنظيم أعمال الخبرة .. والخبراء غير مؤهلين
إجراءات محكمة الأسرة وراء تفاقم مشاكل الأسرة القطرية
مطلوب دائرة بالمحكمة الابتدائية للفصل في القضايا المدنية قليلة القيمة
(الحلقة الثالثة)
كتب - سميح الكايد:
دعا رئيس محكمة الاستئناف الأسبق والمحامي يوسف الزمان إلى تطوير القضاء القطري في
ظل التطورات التشريعية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تشهدها البلاد. وأكد
في دراسة قانونية تنفرد الراية بنشرها ضرورة وضع آليات شاملة لتطوير القضاء تشمل
تعديل التشريعات لمواكبة كل المتغيرات خاصة فيما يتعلق بالنشاط الاقتصادي ومواجهة
زيادة القضايا المدنية والتجارية، وتسيير إجراءات التقاضي تلافيا لمواطن القصور
والجمود التي اعترت بعض القواعد الإجرائية.
وأشارت الدراسة الى أن البطء الشديد الذي يتم به الفصل في بعض المنازعات يشعر معه
المتقاضون باليأس من حصولهم على حكم نهائي وإهدار لمبدأ العدالة التي تتطلب الفصل
في الدعوى بوقت معقول حتى يطمئن الأفراد على حقوقهم. وطالبت بأن تتضمن آليات
التطوير المقترحة تعديل القواعد الإجرائية لضمان ممارسة القضاء رسالته السامية في
تحقيق العدالة في أقصر وقت، وبأقل التكاليف للمتقاضين.
وانتقدت الدراسة قواعد المرافعات التي لم تعد تلائم الواقع وتقنياته المتطورة،
وساهمت في تأخر الفصل في الدعاوى القضائية عدة أشهر وسنوات بسبب تأخر تقارير
الخبراء، وما يتبع ذلك من قضاء المتهم عدة شهور طويلة في انتظار الفصل في الدعوى
القضائية.
وناقشت سلبيات إعلان إعادة الدعوى للمرافعة، ومشكلات النفاذ المعجل للأحكام غير
النهائية، والتظلمات وإشكالات التنفيذ دون المبرر، وضرورة العمل على إصدار قانون
لتنظيم الخبرة أمام المحاكم ونظام الخبرة المعمول به وبطء التقاضي .. داعية إلى
تخصيص دائرة بالمحكمة الابتدائية الجزئية للفصل في القضايا المدنية قليلة القيمة
بإجراءات ميسرة وسهلة .. وتواصل الراية اليوم نشر تفاصيل الدراسة.
ورأى الزمان في الدراسة أن المشرع القطري بسماحه لإعادة النظر في الأحكام الصادرة
من محاكم أول درجة مؤداه أن هذه الأحكام غير نهائية ولا تتمتع بالحصانة ضد الطعن
عليها وهي أحكام من حيث المبدأ قلقة وغير مستقرة وفي حقيقتها قابلة للإلغاء بواسطة
قضاء ثاني درجة، وهي قابلة للطعن عليها بالتمييز وبالتالي فإن ضررا بالغا سوف يصيب
المحكوم عليه من أحكام محكمة أول درجة إذا ما ألغيت هذه الأحكام بعد تنفيذها،
والواقع يؤيد ذلك، إذ تضرر الكثير من المحكوم عليهم من هذه القاعدة بعد أن ألغت
محاكم الطعن الأحكام الصادرة ضدهم إلا أن اكتمال تنفيذ تلك الأحكام قبل إلغائها أضر
ضرراً بالغاً بالمحكوم عليهم لا سيما في قضايا إخلاء العقارات.
وبالتالي فإنه من غير المستساغ ومما يصطدم بالعدالة السماح بتنفيذ أحكام هي في
حقيقتها غير نهائية ويسمح القانون بالطعن عليها.. وللأسف فإن قاعدة شمول كافة
الأحكام بالنفاذ المعجل فور صدورها من محاكم أول درجة أحدثت ارتباكاً وزيادة غير
مبررة في عدد القضايا من تظلمات وإشكالات يحاول خلالها المحكوم عليهم وقف تنفيذ تلك
الأحكام لحين صيرورتها نهائيا وترتب على هذه القاعدة أن أصبحت المحاكم معامل لتفريخ
القضايا، ذلك أن كل قضية ترفع تتولد عنها ثلاث قضايا وأكثر من استئناف وتظلم وإشكال
في التنفيذ بما تستنزف معه هذه القضايا جهود السادة القضاة من الناحية القضائية
والولائية والادارية.
ولقد تسببت قاعدة شمول الأحكام بالنفاذ المعجل برفع معدلات عدد القضايا في المحاكم
لأكثر من 30% أي هناك مئات من القضايا مصدرها وسببها هذه القاعدة.
من هنا يجب وقف هذه البؤرة التي تزيد من ملفات وأرقام القضايا في المحاكم وتلقى
بأعباء كبيرة وكثيرة على الجهاز الإداري والقائمين على الإعلانات والمتقاضين
والمحامين، وبالطبع حفاظا على أوقات السادة القضاة وجهودهم وعدم تشتيتها في تأجيلات
وقرارات الإحالة والضم من دائرة إلى أخرى، وتسببت قرارات وأحكام التظلم بوقف
التنفيذ وإشكالات التنفيذ وما إلى ذلك.
ويتعين والحال كذلك إدخال تعديل تشريعي على قانون المرافعات بحيث يعدل نص المادة
374 مرافعات تعديلا جذريا مع إضافة مواد لتنظيم كيفية شمول بعض الأحكام بالنفاذ
المعجل بقوة القانون أو بأمر من القضاء على النحو المعمول به في معظم التشريعات
الإجرائية العربية والمقارنة. ونؤكد على أن هذا التعديل من شأنه إيقاف مئات
التظلمات وإشكالات التنفيذ بما يوفر على السادة القضاة الجهد والوقت، بما يتيح لهم
التفرغ للقضايا الموضوعية.
ويعد الخبراء هم العون الأول للقضاة، ورأيهم غالبا ما يحسم الأمور التي تحتاج إلى
خبرتهم، وما أكثر الحاجة إليهم في وقتنا المعاصر .. وتعد الخبرة وسيلة من وسائل
الإثبات المباشرة، وهي نوع من المعاينة الفنية تتم بواسطة أشخاص تتوافر لديهم معارف
فنية خاصة لا تتوافر لدى القضاة، إذ قد تعرض على القاضي مسائل متنوعة يحتاج بعضها
إلى معلومات فنية دقيقة سواء أكانت معلومات طبية أو هندسية أو محاسبية أو صناعية أو
غير ذلك مما لا يتصور أن يلم بها كل قاض إلمامًا كافيًا يمكنه من تفهم جميع المسائل
الفنية التي تعرض عليه ومن الفصل فيها عن بينة تامة بطريقة تريح ضميره وتحقق
العدالة في نفس الوقت ولهذا يلجأ القاضي إلى شخص فني تتوافر لديه معارف كافية بشأن
مجال معين من مجالات المعرفة الفنية يسمى الخبير والذي يمد يد العون للقاضي، وينير
له الطريق بما يساعده في النهاية على حسم النزاع حسما أقرب إلى تحقيق العدالة.
ونظرا لأهمية الخبرة فقد نظم المشرع القطري القواعد المتعلقة بالخبرة في المواد من
333 ـــ 361 من قانون المرافعات المدنية والتجارية، ولم يصدر المشرع القطري حتى
تاريخه قانونا بتنظيم أعمال الخبرة أمام المحاكم وهو قانون على جانب كبير من
الأهمية، إذ يتكفل هذا القانون بوضع تنظيم كامل للشروط الواجب توافرها في الخبراء
ومؤهلاتهم العلمية وضرورة اجتيازهم لاختبارات ومقابلات تقوم بها الجهة المختصة،
والضمانات المقررة لهم ومساءلتهم وتأديبهم، وكيفية تسجيلهم في الجداول وتبعيتهم وما
إلى ذلك من قواعد تحكم وظيفتهم وتكفل حيادهم بإعتبارهم من أعوان القضاة حسبما قررته
المادة (71) من قانون السلطة القضائية.
وبالنظر إلى الزيادة الكبيرة والمضطردة في أعداد القضايا المدنية والتجارية
والاقتصادية ذات الطابع الفني والتي تستدعي معارف خاصة ولم تعد قضايا ومنازعات
اليوم مثل قضايا الأمس، إذ غدت أكثر تعقيدا وتخصصا بما تحتاج معه للفصل فيها إلى
تحقيقات معمقة وتخصص معين من رجل متخصص وخبير محايد يضع أمام القاضي رأيه الفني في
القضية لتنويره حول النزاع.
ووفقا للتشريع الكويتي والمصري فإن هناك ثلاث طوائف من الخبراء يقومون بأعمال
الخبرة أمام المحاكم وهذه الطوائف هي: طائفة خبراء الجدول - طائفة الخبراء الموظفين
- طائفة الخبراء غير الموظفين وغير المقيدين بالجدول الذين يتمتعون بكفاءة فنية لا
يتمتع بها غيرهم وقد نظم قانون الخبرة الكويتي والمصري كل ما يتعلق بهذه الطوائف
الثلاث .. أما في التشريع القطري فلا يوجد لدينا قانون لتنظيم أعمال الخبرة
وبالتالي فإنه لا توجد إدارة للخبراء أو خبراء حكوميين كما هو الحال في مصر والكويت
والمعمول به في المحاكم القطرية وجود قائمة خبراء متواضعة تضم أسماء مهندسين
ومحاسبين وبعض المتخصصين وتم وضع أسماؤهم في هذه القائمة وفقا لمؤهلاتهم وما
يقدمونه من مستندات تثبت تخصصهم الهندسي أو المحاسبي دون خضوعهم لأي اختبارات أو
مقابلات وجميعهم يعمل أعمالا خاصة أو لدى جهات القطاع الخاص والحكومي ويتم اختيارهم
لأداء أعمال الخبرة في القضايا إما وفقا لاتفاق الخصوم أو تقوم المحكمة بذلك في
حالة عدم اتفاق الخصوم على اختيار شخص الخبير، وللقاضي والخصوم أن يختاروا أيضا
خبيرا من الخارج ممن لم ترد أسماؤهم في قائمة الخبراء.
والواقع أن نظام الخبرة المعمول به حاليا في المحاكم له دور كبير في إنماء ظاهرة
البطء في التقاضي، بل إن القضايا التي تحال إلى الخبرة هي آفة البطء.. صفوة القول
فإنه يتعين العمل على إصدار قانون متكامل لتنظيم أعمال الخبرة أمام المحاكم وأن لا
تترك هذه المسألة الحيوية دون تنظيم، وحان الوقت أن تكون هناك إدارة للخبراء تتبع
المجلس الأعلى للقضاء تضم عددا كافيا من الخبراء في مختلف التخصصات وأقسام فنية وأن
يكون هناك مجلس لشؤون إدارة الخبراء يؤلف من قضاة المحاكم تكون من اختصاصاته
الإشراف على الخبراء وإبداء رأيه في كل المسائل المتعلقة بالخبرة.
ولا يجوز أن تترك أعمال الخبرة في المحاكم دون تنظيم أو تحديد شروط لازمة لقيد
الخبراء، أو كيفية استبعاد اسم أي خبير أصبح في حالة لا تمكنه من أداء عمله أو فقده
شرطا من شروط قيده في الجدول، أو كيفية مساءلتهم وتأديبهم في حالة إخلال أحدهم
بواجباته المهنية وارتكابه لأخطاء مهنية جسيمة أو مخالفة الالتزامات القانونية
والأخلاقية بصفة عامة. وأخيراً لقد تزايد الدور الذي يقوم به الخبير في الدعوى
القضائية خاصة مع ما نعايشه من تنامي الاتجاه لتكليف الخبراء بتحديد الكثير من
المسائل في المأمورية المناطة بهم الفنية وغيرها.
وقد تحول الخبير في نظر البعض من الجمهور إلى قاضي في الواقع العملي خاصة في ظل
اعتماد القاضي في الغالب على النتيجة التي يصل إليها الخبير في تقريره والأهم من
هذا وذاك فإن القضايا التي تستغرق وقتا طويلا من التداول أمام المحاكم هي قضايا
الخبرة لعدة أسباب منها عدم تفرع الخبراء لإنجاز القضايا وعدم خبرتهم وكفاءتهم
للقيام بالمأمورية المنوطة بهم، وعدم وجود ضوابط وإجراءات تلزمهم بتقديم تقاريرهم
في الوقت المحدد ودون تأخير.
وأشارت الدراسة إلى أن هناك الكثير من القضايا المدنية والتجارية التي لا تتجاوز
قيمتها عدة آلاف من الريالات، وهي لا تستحق ولا تقوى على أن تتبع بشأنها الإجراءات
ذاتها التي تتبع بالنسبة للقضايا كبيرة القيمة .. فمن غير المقبول أن يبقى الدائن
أو المدعي بمبلغ لا يزيد على ثلاثة آلاف ريال أو خمسة آلاف ريال أو عشرة آلاف ريال
عدة أشهر من أجل اقتضاء حقه.
من هنا يجب استثناء هذه القضايا من التقيد بقواعد قانون المرافعات المدنية
والتجارية فيما يتعلق برفع الدعوى والإعلان وإجراءات الجلسة وغيرها عدا فيما يتعلق
بالضمانات المتعلقة بالتقاضي. ويكتفى في رفع هذه القضايا برسم قضائي ثابت لا يزيد
عن خمسين ريالاً، وأن يرفع النزاع شفاهاً أو كتابة بحضور المدعي إلى المحكمة أو
بوكيل عنه، ويقوم الموظف بتدوين ما يدلي به المدعي في محضر ثم ينقله إلى سجل خاص،
ويحدد الموظف المختص تاريخ الجلسة، على ألا يجاوز الموعد ثلاثة أيام .. ويخطر
المدعى عليه بموعد الجلسة إدارياً على الفور بأية طريقة، وفي يوم الجلسة على القاضي
المختص السعي لإجراء الصلح بين الطرفين فإذا تم أثبت ذلك بالمحضر ويوقع عليه
الطرفين والقاضي، وإذا لم يتصالح الطرفان وجب على القاضي الفصل في الموضوع في ذات
الجلسة دون تأجيل إلا عند الضرورة مع مراعاة أن لا يتأخر الفصل في النزاع لأكثر من
خمسة عشر يوماً ويختص القاضي ذاته بتنفيذ الحكم بناء على طلب صاحب الشأن في الجلسة
ذاتها وله إصدار جميع الأوامر المتعلقة بالتنفيذ.
ويساهم تبني هذا الاقتراح كثيراً في حصول الأفراد العاديين أصحاب الديون البسيطة
على حقوقهم بسهولة ويسر بعيداً عن التأجيلات والمماطلات والشكليات لا سيما إذا ما
كانت هذه الدائرة المتخصصة منعقدة على مدار أيام العمل مع تمكين الخصوم من المثول
أمام المحكمة في أي وقت دون التقيد بمواعيد جلسات عدا تقيدهم بكيفية الدخول على
القاضي المختص.
منذ أكثر من أربع سنوات بدأت المحاكم العمل بالقانون رقم (22) لسنة 2006 بإصدار
قانون الأسرة وبالتحديد ابتداءً من 29 /9 /2006 . وأوضحنا في عدة مناسبات أن تقنين
مسائل الأحوال الشخصية وأحكامها ضمن قانون الأسرة هو عمل سوف ينعكس إيجاباً على
الأسرة القطرية وأفرادها وعلى المجتمع القطري، بحيث غدت هذه المسائل واضحة سواء
فيما يتعلق بالعلاقات الزوجية وما يترتب عليها من حقوق وواجبات وما ينشأ عنها من
آثار وأولاد وحقهم في ثبوت نسبهم من والديهم وحقهم في الحضانة، وكذلك تقنين أحكام
الهبة والوصية والإرث.. وجميع تلك القواعد والأحكام مهما بلغت درجة وضوحها وحسمها
للحقوق من الناحية الموضوعية ووضعها الحدود والفواصل بين الحقوق والالتزامات وبيان
صاحب الحق، فإن هذا الحق يبقى نظرياً ومجرداً حتى يأتي القانون الإجرائي ليرسم
الطريق الذي يتحول به الحق المجرد والنظري إلى واقع ملموس.. لذلك قيل أن القوانين
الإجرائية تشكل قوة التفعيل اللازمة للقوانين الموضوعية، وفاعلية النظام القانوني
في جملته بقواعده الموضوعية والإجرائية معاً، لا تتأتى إلا بحاسية واستجابة القواعد
الإجرائية لتغيرات الواقع وقدرتها على جعل حركة الساعين إلى حقوقهم أكثر سرعة وأقرب
إلى بلوغ درجة الحسم بأبسط الخطوات وأنجزها.
والمستقر عليه أن قانون إجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية (الأسرة) يعتبر
الوسيلة الضرورية لتطبيق القوانين الموضوعية للأحوال الشخصية (الأسرة) ونقلها من
حالة السكون إلى حالة الحركة، وبمعنى آخر فإن القانون الإجرائي للأحوال الشخصية هو
القاطرة المحركة لقانون الأسرة التي تقوم على دفعها إلى الغاية التشريعية المنشودة.
من هنا وبدون وجود قانون إجرائي ينظم إجراءات التقاضي في مجال الأحوال الشخصية
(الأسرة) فإن قانون الأسرة الموضوعي بمفرده لن يحقق لمن يناضل من أجل استخلاص حقه
الوصول إلى ذلك بيسر وبأقصر الطرق وبأقل قدر من العناء .. وليس عدلاً بحال ذلك الذي
يأتي بعد الأوان ، لأن العدل الذي يأتي بعد الأوان هو إلى الظلم أدنى وبه أشبه وأن
لحظة عدل حاسم تأتي في توقيتها الصحيح قد تكون حداً فاصلاً بين الظلمات والنور وبين
الصالح والطالح.
لقد كشفت التجربة القضائية أمام المحاكم القطرية من خلال إعمال إجراءات التقاضي
الواردة بقانون المرافعات المدنية والتجارية على قضايا الأسرة بكافة أنواعها عن
تعقيدات وإجراءات طويلة انطوت على بطء شديد لحق الفصل والحكم في هذه القضايا
والنزاعات فأصبحت طالبة التطليق مثلاً فريسة للكيد وللثغرات الإجرائية سنوات طوالا،
وبقاء الزوجة وأولادها الصغار في حالة عجز عن الحصول على نفقة محكوم لهم بها بما
يقودهم إلى احتمالات الضياع والسقوط في عالم الانحراف.
ولن أتردد في القول بأن مجموعة الإجراءات والتي تطبقها محكمة الأسرة على قضايا
الأحوال الشخصية والتي معظمها مأخوذة من قانون المرافعات المدنية والتجارية وأخرى
من سوابق وإجتهادات قضائية وشرعية، أصبحت عائقاً خطيراً وسبباً للكثير من تفاقم
مشاكل الأسرة القطرية، تلك المشاكل التي لا تجد لها حلاً - للأسف الشديد - في الوقت
المناسب، إذ يستمر انهيار وتمزق هذه الأسر شيئاً فشيئاً مع امتداد فترة النزاع على
منصات المحاكم وارتفاع وتيرة العداوة والبغضاء بين أفراد الأسرة الواحدة سواء كان
الزوج أو الزوجة أو الأبناء مع كثرة تأجيلات نظر الدعاوى ومحاولة تأبيدها من أحد
الأطراف مستغلاً نصوص قانون المرافعات وتكريسها لخدمة أغراضه للمماطلة والتسويف منذ
بدء الدعوى وحتى صدور حكم فيها، إذ يستطيع الخصم باسم القانون وبأدواته الامتناع عن
استلام الإعلان حتى يتم إعادة إعلانه مرة أخرى كسباً للوقت ونكاية بخصمه، وله الحق
في طلب تأجيل نظر الدعوى لعدة مرات، وقد يوغل الخصم في الكيد لخصمه باستخدام طرق
وأساليب يصعب حصرها.
وهكذا تمر السنوات القضائية لتنتقل الخصومة المطروحة أمام القضاء من عام قضائي إلى
عام آخر، ومن دائرة إلى دوائر أخرى، وهكذا يكون بمقدور أحد الخصوم استغلال نصوص
قانون المرافعات وتوظيفها لتعطيل الفصل في الدعوى، لأن أوجه الدفاع التي يسوقها
أثناء سير الخصومة كثيراً ما تكون غير جادة بل وكثيراً ما لا يقصد بها سوى الكيد
بخصمه والتنكيل به وباستعمال أساليب المطل والعناد لمضايقته بنية إبطال الدعوى.
المجتمع القطري والأسرة القطرية بحاجة إلى قانون ينظم إجراءات التقاضي في مسائل
الأسرة، قانون يستهدف تحقيق التوازن اللازم في التنظيم الإجرائي للتقاضي بين
اعتبارات التيسير والمقتضيات الاجتماعية لاستقرار الأسرة القطرية حتى تؤدي البيوت
رسالتها وتتحقق السكينة والمودة والتراحم بين أفراد الأسرة.. قانون يستهدف تجنيب
أفراد المجتمع التوتر والاضطراب والتشتت والضياع والانحراف بسبب إعتلال العلاقات
الزوجية وفساد ذات البين.
الواقع العملي يكشف أن دعاوى الطلاق والنفقة والحضانة وإسقاط الحضانة وما إلى ذلك
من تبعات الطلاق وملحقاته في ازدياد مستمر والأرقام ترتفع سنة بعد أخرى والمشكلة في
تفاقم مستمر يوماً بعد يوم.. من هنا يتوجب العمل فوراً على إعداد مشروع قانون
لإجراءات التقاضي في مسائل الأسرة يكون من سماته الأساسية إدخال نظام متكامل لمحكمة
الأسرة في التنظيم القضائي القطري بتخصيص محكمة لنظر جميع المسائل الواردة بقانون
الأسرة، بحيث تجمع هذه المحكمة كافة ما يثار بين أطراف الأسرة الواحدة من دعاوى
بشأن تلك المسائل جميعها على منصة واحدة متخصصة وداخل قاعة مبنى قضائي مستقل ومميز
وفي ذلك تيسير للإجراءات وتخفيف عن الأسرة، وتكون محكمة الأسرة مختصة بنظر جميع
الدعاوى التي ترفع من أحد الزوجين والتي ترفع بعد ذلك من أيهما أو تكون متعلقة أو
مترتبة على الزواج أو الطلاق أو التطليق أو الفسخ وكذلك دعاوى النفقات وما في حكمها
سواء للزوجة أو الأولاد أو الأقارب ودعاوى الحبس لامتناع المحكوم عليه عن تنفيذ
الأحكام الصادرة بها وحضانة الصغير وحفظه ورؤيته وضمه والانتقال به ومسكن حضانته،
وأن تخول المحكمة سلطة إصدار أحكام وقتية واجبة النفاذ بشأن طلب الرؤية أو تقرير
النفقة حتى لا يضار الطالب فيها بطول الوقت الذي قد يستغرقه الفصل في الدعوى
الأصلية.