قطر- جريدة العرب-السبت
03 ربيع الثاني 1433 الموافق 25 فبراير2012 العدد 8658
تربويون: المدارس
المستقلة أولى بالتعريب من الجامعات
بقرار المجلس الأعلى
للتعليم بتعريب العديد من التخصصات، رأت الساحة التربوية أن الخطوة تستحق التأييد
كونها تعيد الجدل حول مكانة اللغة العربية إلى الواجهة من جديد.
ومع أن القرار جاء أساسا لمعالجة معاناة طلاب أقعدتهم الإنجليزية سنين عديدة في
مدرجات الجامعة، فإنه يشكل مناسبة في نظر التربويين لإعادة النظر في مناهج المدارس
وبالذات المستقلة منها. وما دامت الجهات المعنية اقتنعت بأن اللغة الأجنبية لا يمكن
فرضها على الذائقة الطلابية في المرحلة الجامعية، فإنه من باب أولى عدم إرهاق طلاب
الابتدائية باللغات الأجنبية، حسب المختصين.
ولئن كان العديد من العاملين في حقل التدريس راق لهم التراجع عن تدريس عدة تخصصات
في الجامعة باللغة الإنجليزية فإن اتخاذ قرارات على هذا النحو أكثر إلحاحا في
المدارس الابتدائية والإعدادية.
بينما رحب طلبة جامعة قطر وإلى جانب ضرورة بناء مخزون لغوي في المراحل المبكرة من
العمر، يكاد التربويون يجمعون على أن تدريس المواد العلمية بالإنجليزية يستنزف جهود
الطلاب وينعكس سلبا على مستوياتهم في مختلف المجالات.
وبالإضافة إلى أهمية التدريس باللغة الأم في استيعاب وتمثُّل النظريات العلمية،
يشدد المختصون على أن الهوية وخصوصيات المجتمع رهن بـ «تضلُّع» جيل المستقبل في لغة
الضاد.
وخلافا لما يعكسه الهوس باللغة الأجنبية، يشدد التربويون على أن العربية ليست قاصرة
عن استيعاب الحداثة، إنما هناك ضرورة لتطوير تدريسها بشكل وظيفي يعزز وعي الأطفال
بعيدا عن التعمق في القواعد.
بيد أن تعزير العربية يتجاوز هاجس الهوية، وتغيير مناهج التعليم إلى كونه واجبا
شرعيا؛ لأن جهلها يؤدي بالضرورة إلى الجهل بالدين.
تعريب التعليم
الدكتور علي الكبيسي، رئيس قسم اللغة العربية بجامعة قطر، يرى أن تعريب التعليم بكل
مراحله ضرورة ليس فقط للمحافظة على هوية المجتمع، إنما لكون تمكن الطلاب من المعرفة
والنبوغ في المواد العلمية رهن بدراستهم بلغتهم الأم.
ويشدد الكبيسي على أن الطالب لا يمكن أن يتعمق في معرفة مواد العلوم والرياضيات ما
لم يدرسها بلغته الأم التي يحسن التلقي من خلالها ويفهمها بشكل عميق، ما يعني أن
تهميش اللغة العربية في مراحل التعليم الأولى أمر «مرفوض بشكل كبير».
بيد أن تعريب مراحل التعليم الأولى وبالذات الابتدائية منها لا يناقض الاهتمام
باللغة الأجنبية التي تُيَسِّر التواصل مع الثقافات وولوج سوق العمل «ولكن كلغة
تدرَّس لا كلغة تدريس».
ويرفض الكبيسي اعتبار تدريس المواد العلمية في المدارس المستقلة باللغة الإنجليزية
أكثر جدوائية لمستقبل الطلاب، بدليل أن الأطباء والعباقرة العرب الذين يحظون بتقدير
المحافل الدولية درسوا هذه المواضيع باللغة العربية.
ويشير الكبيسي إلى أن دولاً متقدمة مثل اليابان وألمانيا تدرس للطلاب بلغاتها
الوطنية، ما يعني أنه لا توجد لغة عقبة في وجه الحداثة «والعربية ليست قاصرة ولا
عاجزة عن استيعاب التطور».
وإذا ما كان هناك عجز، فإنه لا يتعلق البتة باللغة، إنما بأهلها أو بعلمائها الذين
لم يستطيعوا مواكبة العصر الحديث، حسب الكبيسي.
لكن الكبيسي لا يرى ضرورة في تدريس بعض التخصصات باللغة الأجنبية مثل الهندسة ولكن
بالتوازي مع قوة الطالب في اللغة العربية.
ومن الضروري -حسب الكبيسي- تعزيز مكانة العربية بين الطلاب في المراحل الإعدادية
والابتدائية من خلال تبني منهج تعليمي يشجع الأطفال على تذوق اللغة ويزيل الاعتقاد
بأن العربية صعبة التراكيب ومعقدة القواعد.
وينبغي وفق نظره، التركيز على بناء مخزون لغوي للأطفال دون الغوص في قواعد اللغة،
إنما عبر منهاج وظيفي مبني على مواقف حياتية وأساليب جديدة.
ولأن اللغة العربية لم تفقد أَلَقَها وليست عاجزة عن احتضان النظريات العلمية، لا
يجد الكبيسي ما يبرر الاندفاع نحو اللغة الإنجليزية، سوى تأثيرات سوق العمل وهوس
الناس بمستقبل أبنائهم الوظيفي.
بيد أن الكبيسي يعذر أولياء أمور الطلاب، فلو كانت المدارس المستقلة تقدم منهجا
قويا يكفل قوة الطالب في المواد العلمية واللغتين العربية والإنجليزية لما كان هناك
افتتان بالمدارس الخاصة والأجنبية، على حد قوله.
لكن الكبيسي يلفت إلى أن قرار المجلس الأعلى للتعليم بتعريب بعض تخصصات الجامعة
لقطر، وإن كان قد أعاد مكانة اللغة للواجهة، يهدف أساسا إلى معالجة تكدس الطلاب
الذين تعوق اللغة الإنجليزية مستقبلهم العلمي «وهناك شباب دخلوا التأسيسي وخرجوا من
الجامعة قبل التخرج».
تعزيز العربية
كذلك، ترى مديرة مدرسة عبدالله بن تركي النموذجية شيخة الشهراني أن تطوير التعليم
يبدأ بتعزيز مكانة اللغة العربية في المدارس المستقلة ما سيرفع من أداء مستوى
الطلاب في مختلف المواد.
وتقول الشهراني إن تعزيز اللغة العربية في المدارس المستقلة ضروري لتميزهم علميا
والحفاظ على هويتهم، في خضم طغيان اللغة الإنجليزية على العديد من مناحي الحياة.
وتقول الشهراني إن المدارس المستقلة تهتم باللغة العربية، لكن هناك عدة طرق
لتطويرها وتعزيز مكانتها بين الطلاب من قبيل جعلها لغة تدريس المواد العلمية ما
سيمكن الطالب من إتقان هذه المواد واكتساب لغة قوية في ذات الوقت، حسب تصورها.
وتقرّ الشهراني بأن مستويات الطلاب متدنية في اللغة العربية بالتوازي مع تنامي
الاهتمام باللغة الإنجليزية، مع أن الاهتمام بالأولى لا يناقض أهمية الثانية، وفق
تعبيرها.
ومع تشديدها على أهمية اللغات الأجنبية في الانفتاح على الثقافات، تدعو الشهراني
إلى ضرورة أن يتضلَّع (يتقوَّى) الطالب في لغته الأم من سنيه الأولى في المدرسة،
بينما يمكن رفع قدراته في اللغة الإنجليزية في الجامعة أو في برامج ودورات خاصة
«إذا ما كان يريد الدراسة في الخارج».
وبالنسبة لمدير مدرسة الدوحة الثانوية المستقلة غلوم عبدالله، فإن اللغة العربية
موضع اهتمام بشكل عام في المدارس المستقلة، لكن يجب النظر في المناهج بحيث تكون
العربية هي لغة التدريس، وتدرس الإنجليزية كلغة ثانوية فقط.
وحسب غلوم، فإن تدريس الرياضيات والعلوم بالإنجليزية أدى إلى ضعف الطلاب في اللغة
العربية لأن جهدهم يستنزف في فهم هذه المواد.
وسيمكن تدريس المواد باللغة العربية الطالب من فهم المعلومة والمعادلة، لأنه
يستوعبها دون عناء، ما سيوفر هذا الجهد للرفع من إمكانيته في اللغة العربية
والإنجليزية على حد السواء، وفقا لعبدالله. وبشكل عام، يرى غلوم أنه ينبغي تجنب
إرهاق الطالب باللغة الأجنبية في المراحل الأولى من الدراسة، مع الحرص على التوفيق
بين ضرورة تعزيز العربية وأهمية رفع مستوى الطلاب في اللغات الأجنبية.
واجب شرعاً
الداعية الدكتور محمد بن حسن المريخي، يشدد على أنه من الواجب شرعا الاعتناء
بالعربية لأنها لغة القرآن والدين، كما أنها من أهم مقومات بقاء المجتمع. ويرى أنه
من الضروري أن يتنبَّه الحقل التربوي إلى أن اللغة مقتل إذا أصيبت فيه أمة مسخت
ووهنت، «فإذا ما أراد عدو النيل من مجتمع حارب لغته لأنها تختزن خصوصيته وهويته».
وحسب الدكتور المريخي، ترتبط عزة المجتمع وكرامته بالمحافظة على اللغة العربية حية
تنتقل من جيل إلى آخر حاضرة بقوة في المدارس والجامعات.
ويشدد المريخي -الذي أشاد بتعريب بعض تخصصات الجامعة- على ضرورة أن تبذل المدارس
المستقلة مزيدا من الجهد في تعزيز مكانة العربية وجعلها لغة التدريس السائدة في
مختلف المراحل، لأنه «من المؤسف جهل الطلاب بلغة القرآن».
ولا ينبغي إخضاع مكانة العربية للاجتهادات والجدل، ما دامت ترتبط بثقافة وهوية
أجيال المستقبل، طبقا للمريخي الذي يشدد على أن ضعف العربية يعني طمس الدين «فكيف
يرتل القرآن أو يعبد الله من كانت لغته ضعيفة».
أما الحديث عن قصور اللغة العربية واقتران الإنجليزية بالحداثة فمجرد تهم لا أساس
لها من الصحة، ترمي فقط للانتقاص من لغة الوحي، التي يؤدي جهلها إلى جهل تعاليم
الدين، حسب المريخي.. لكن ما سيضيع في النهاية هو المجتمع الذي يفرط في هويته،
بينما العربية ستظل محفوظة وإذا وهنت ستعود من جديد ولن يؤثر عليها الزخم الذي
تحتله اللغات الأجنبية، يختم المريخي.
ويشدد العديد من التربويين على أن الطفل أكثر حاجة للتشبع بالقيم الوطنية والدينية
في سني عمره الأولى، بينما يمكن إتقان اللغات الأجنبية في مرحلة المراهقة وحتى في
المرحلتين الثانوية والجامعية.
ويتعزز الخوف على مستقبل العربية، في ظل التحاق العديد من الطلاب بالمدارس الأجنبية
التي تكاد تهمل لغة البلد وتتحلل من تقاليده وعاداته.. ويتهم البعض المدارس
المستقلة بتهميش اللغة العربية والافتتان بالإنجليزية، ما جعل كثيرين لا يرون فرقا
بينها وبين المدارس الغربية.
* «تعريب» الدراسة وإلغاء «التأسيسي» بجامعة قطر
أصدر المجلس الأعلى للتعليم قراراً يقضي بضرورة أن تكون لغة التعليم بجامعة قطر هي
اللغة العربية.
ونص القرار أيضا على أن يقبل الطلاب مباشرة في جميع البرامج التي تدرس باللغة
العربية، اعتباراً من الفصل الدراسي ربيع 2012 دون الحاجة إلى دراسة البرنامج
التأسيسي، على أن تنظر الجامعة في احتساب المقررات التي نجح فيها الطلاب في
البرنامج التأسيسي ضمن متطلبات الجامعة.
كما نص على أن تكون الدراسة باللغة العربية في كلية القانون اعتباراً من الفصل
الدراسي ربيع 2012، وتكون كذلك في تخصصات الشؤون الدولية والإعلام وكلية الإدارة
اعتبارا من الفصل الدراسي خريف 2012، على أن تتخذ الجامعة الإجراءات اللازمة لتنفيذ
ذلك.
وقضى القرار بتطبيق بنوده على جميع الطلاب المسجلين حالياً في البرنامج التأسيسي،
والذين سبق لهم الالتحاق بالبرنامج ولم يتمكنوا من استكمال دراستهم لعدم استيفائهم
شروط القبول في البرامج التي تدرس في الجامعة باللغة العربية.
قانون
رقم (1) لسنة 2000 بتعديل بعض أحكام القانون رقم (2) لسنة 1977 بإنشاء جامعة قطر
-ألغي بنص المادة (18 ) من المرسوم بقانون رقم ( 34 ) لسنة 2004
قانون
رقم (14) لسنة 2006 بتعديل بعض أحكام المرسوم بقانون رقم (37) لسنة 2002 بإنشاء
المجلس الأعلى للتعليم وتعيين اختصاصاته
«تعريب»
الدراسة وإلغاء «التأسيسي» بجامعة قطر
تفاصيل
اجتماعات قيادات الجامعة لتنفيذ قرار إلغاء التأسيسي
تباين
الآراء حول قرار المجلس الأعلى للتعليم
صمت
الجامعة إزاء قرار "التعريب".. يُقلقنا