قطر-جريدة
العرب- الأربعاء ٢٤ أكتوبر ٢٠١٢ م، الموافق ٨ ذو الحجة ١٤٣٣ هـ
العدد : 8900
اختصاصيون: إنشاء حضانات في أماكن العمل أحد حقوق المرأة
بعد ما سمعته وشاهدته
من حوادث مرعبة وشنيعة ترتكب من قبل الخادمات بحق الأطفال، عاشت أم الجوهرة في
كابوس مرعب لحماية أبنائها من لؤم بعض الخادمات وأذيتهن، بعد أن اضطرت ونظرا لظروف
عملها الصباحي وعدم وجود حضانة للأطفال في المؤسسة التي تعمل بها، أن تستقدم
خادمتين واحدة للاهتمام بالمنزل وأخرى للعناية بأطفالها. إلا أن هاجس أم الجوهرة
الدائم دفعها إلى تركيب كاميرات مراقبة في المنزل لتكون لها عين داخل المنزل، ترى
ما يحصل فيه أثناء غيابها. «زرعت منزلي بالكاميرات لأراقب كيف تتعامل الخادمات مع
أولادي أثناء فترة غيابي عن المنزل التي تستمر من السابعة صباحا وحتى الثانية ظهرا،
وعادة ما أصل في الساعة الرابعة نظرا لبعد منزلي عن مكان عملي»، وتضيف أم الجوهرة:
«بصراحة أبقى طوال فترة دوامي متوترة وأعمل وعقلي في المنزل مع أولادي، أتصل بهم
دوما للاطمئنان على صحتهم، وعندما أعود من العمل أبقى أراقب فيديو التسجيل لساعات
طويلة للتأكد من أن كل شيء على ما يرام».
ورغم ذلك تعترف أم الجوهرة أن هذا الإجراء يستهلك أعصابها كثيرا ويضيع من وقتها عدة
ساعات لإعادة مشاهدة التسجيل، حرصا منها على عدم مراقبة المنزل مباشرة من العمل،
لأن في ذلك هدرا لوقت العمل. تشير أم الجوهرة إلى أن المشكلة التي تؤرقها يعاني
منها كثير من الأمهات العاملات في المؤسسات والوزارات بالدولة، مضيفة أنها قررت هي
وزميلاتها في العمل رفع كتاب إلى المسؤولين يطالبون فيه بضرورة إنشاء حضانة داخل
العمل، حتى يطمئنوا أن أطفالهن بين أيد أمينة أسوة ببعض المؤسسات التي أنشأت حضانة
لأطفال موظفيها. وترى أم الجوهرة أنه ومن بعد حاثة مقتل الطفلة تالا الشهري على يد
الخادمة الإندونيسية في السعودية بات أمر الاستعجال في إصدار قانون لإنشاء حضانات
في أماكن العمل مسألة ضرورية وملحة تؤمن الراحة النفسية والاجتماعية، ليس فقط للأم
والطفل، بل للمجتمع بأسره.
تجربة الاستشارات العائلية
مركز الاستشارات العائلية واحد من المؤسسات القلائل جدا التي أنشأت حضانة لأبناء
موظفيها، وهي حضانة «سدرة المرح» انطلقت عام 2006 سعيا من «الاستشارات العائلية»
إلى إيجاد أسرة متماسكة ومستقرة، حيث جاءت هذه المبادرة بهدف توفير مرفق آمن لرعاية
أطفال الكادر الوظيفي من الموظفين والموظفات بالمركز، إضافة إلى بعض حالات الأطفال
من وحدة الرعاية الوالدية، والذين يحتاجون إلى رعاية خاصة جراء انفصال أو طلاق
والديهم.
وتستهدف الحضانة الأطفال من عمر الولادة إلى عمر الخمس السنوات. وتوفر لهم مناخاً
تربوياً وتعليمياً مزوداً بأحدث التجهيزات التربوية في بيئة تعليمية جذابة تقدم
للتلاميذ نطاقاً واسعاً ومتنوعاً من الخدمات التي تلبي أكبر عدد ممكن من الاحتياجات
التعليمية والتربوية، والنفسية، والصحية، التي تعزز التعلم والدافعية لدى الطفل،
وتعزز من شعوره بالفخر وتقدير الذات، يقدمها كادر تعليمي متميز بخبراته الواسعة في
المجال التربوي في بيئة صفية جذابة تحث الأطفال على حب التعلم وإغناء المعرفة،
وبإشراف إدارة حكيمة وواعية تسعى إلى أن تقدم أفضل ما لديها من موارد وإمكانات
لتُغني مهارات وخبرات الأطفال، مما يسهم في إنجاح انتقالهم من مرحلة الحضانة إلى
المرحلة الابتدائية بكفاءة متميزة.
دانا العلي أيضاً موظفة في إحدى المؤسسات تشكو من طول فترة غيابها عن المنزل بسبب
ساعات الدوام الطويلة، زد على ذلك المسافة الطويلة التي تفصل بيتها عن عملها،
وتطالب في ظل عدم وجود حضانة داخل مكان عملها بتقليل ساعات العمل ليتسنى لها الوصول
باكرا إلى المنزل والاطمئنان على أولادها أو الإسراع في إقرار قانون إنشاء الحضانات
في أماكن العمل.
ضرورة حتمية
أما أم فهد فهي في حيرة من أمرها حول المكان الآمن الذي ستضع فيه ابنها بعد سفر
خادمتها في شهر نوفمبر المقبل. وتقول: «لو كانت هناك حضانة في عملي لأبناء الموظفين
لما كنت اضطررت إلى أخذ إجازة للجلوس بجانب ابني لحين وصول الخادمة الجديدة»، مشيرة
إلى أن المرأة العاملة تعاني من الكثير من الضغوط، فمن جهة عملها ومن جهة أخرى
أولادها الذين تتركهن بأيدي الخادمات. وتعتبر أن إنشاء حضانات في أماكن العمل أمر
ضروري، وفي صالح المجتمع ككل، وحق من حقوق المرأة الذي لا يجب التنازل عنه.
تعتبر الكاتبة والمعالجة النفسية الدكتورة موزة المالكي أنه آن الأوان للتفكير بشكل
جدي في إنشاء حضانات في أماكن العمل، مشيرة إلى أنها طرحت الموضوع على وزارة
التربية منذ الثمانينيات منذ كانت مديرة مدرسة. وتعتقد أنه أسهل مما يتصوره
المسؤولين المترددين في تنفيذه. وترى أن دولة قطر غنية ولديها الموارد والإمكانات
لتبادر في تنفيذ أي مشروع، مضيفة أن دولة الإمارات العربية المتحدة قامت بتنفيذ
المشروع في عدد من مؤسساتها، وتتساءل لماذا لم تبادر دولة قطر لتطبيقه؟
وتقول إن عدم إصدار قانون بخصوص إنشاء حضانات في أماكن العمل من مؤسسات ووزارات يعد
تباطؤا وإهدارا لحق من حقوق المرأة في ممارسة أمومتها وتوفير وقتها أثناء عملها،
مشيرة إلى أنه عندما يكون الطفل قريبا من مكان عمل والدته فإن ذلك سيوفر الأمان
والاستقرار النفسي، كما أنها ستسعد المرأة وتساعدها.
وترى أنه في المدارس بإمكان المدرسات في حصص الاحتياط أو الفراغ التطوع للعمل في
هذه الحضانات. وتطالب بسرعة إقرار القانون، حيث إن الناس ملت من كثرة طرحه
ومناقشته، مشددة على ضرورة أن يأخذ مكانه من حيز التنفيذ.
حق من حقوق المرأة
من جهتها، تقول الدكتور هدى بشير أستاذ طفولة مبكرة وخبير بحوث في المركز الثقافي
للطفولة إنه نظرا للحوادث المتكررة التي تحصل للأطفال من قبل الخادمات وبث الإحساس
بالأمان في نفس المرأة العاملة أجرت جامعة قطر بالتعاون مع المجلس الأعلى لشؤون
الأسرة دراسة حول إنشاء حضانات في الوزارات والمؤسسات الحكومية بالدولة (خلال عامي
2006-2007) وخلص البحث إلى أن الحضانات في قطر غير موائمة لمؤشرات الجودة العالمية
من حيث المبنى والتجهيزات والخدمات المقدمة، كما اتضح أنها كانت تفتقد للبيئة
السليمة من حيث العاملين فيها والبرامج التربوية التعليمية للأطفال في هذا العمر.
وتوضح أن الدراسة أكدت على ضرورة إنشاء حضانات تابعة للمؤسسات والوزارات بالدولة،
نظرا لأن المرأة العاملة تحتاج إلى استقرار نفسي بشعورها أن طفلها ضمن مؤسسة تربوية
آمنة وقريب منها، مشيرة إلى أن ذلك يريح الأم من ترك ابنها مع الخادمة أو أحد
الأقارب، ويوفر رعاية تربوية وصحية ونفسية للأطفال داخل مؤسسات معتمدة من حيث الأمن
والسلامة والصحة والبرامج، وضمها لكوادر وطنية مؤهلة. وترى بشير أن الإشكالية تكمن
في أن الحضانات تضم عاملات من ثقافة مختلفة، الأمر الذي يؤثر بشكل مباشر على بناء
شخصية الأطفال.
وتؤكد بشير أن إنشاء حضانات في أماكن العمل هو حق من حقوق المرأة والمجتمع، مشددة
في الوقت عينه على ضرورة وجود قانون يفرض على المؤسسات إنشاء الحضانات وبالتالي عدم
ترك الخيار لها في إنشاء حضانة من عدمه، بل يصبح الموضوع إلزاميا.
وتنوه إلى أهمية أن تخضع الحضانات في أماكن العمل لقوانين وضوابط تضعها جهة رسمية
مسؤولة عن الحضانات في أماكن العمل.
وتعتبر د.بشير أن خطورة الخادمات ليس فقط في حوادث العنف التي يرتكبها بعضهن ضد
الأولاد، بل أيضاً في نقل الثقافة وأساليب التوجيه في تعليم ممارسات غير متفقة مع
الثقافة الإسلامية والعربية، وهذا بالتالي يؤثر على هوية الطفل ومفهوم المواطنة
لديه.
حماية المجتمع
وفي سياق متصل، ترى الأستاذة المشاركة في قسم العلوم النفسية بجامعة قطر بتول خليفة
أن إصدار قانون إنشاء حضانات في أماكن العمل أصبح ضرورة حتمية في إطار مساعدة
المرأة العاملة للقيام بمهامها من دون خوف أو رعب على وجود ابنها بين أيدي شخص
غريب، كما أنها تخدم المجتمع وتحميه من حوادث ومآس هو في غنى عنها.
وانطلاقا من خبرتها الطويلة كانت هناك حضانة لأطفال العاملات في العديد من الأماكن
التي درست وعملت فيها في عدد من الدول العربية.
وتضيف: لقد سمعنا أن كثيرا من العاملات في بعض المؤسسات طالبوا بإنشاء حضانات في
أماكن عملهم، ولكننا لم نلمس شيئا على أرض الواقع، مشيرة إلى ضرورة الإسراع في
إصدار القانون قبل أن تقع الفأس في الرأس، حيث إنه في كل مرة تطالعنا فيه حوادث
مرعبة من قبل الخدم ترتكب بحق الأطفال.
وتقول إنه سبق لها أن أجرت دراسة على عينة من 1270 أسرة قطرية وغير قطرية، وشملت
أيضاً عاملات المنازل حول أثر الخادمات على التوافق النفسي للأطفال، وتبين أن
الأبناء في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية يتأثرون بشكل واضح بسلوك
العاملة وتصرفاتها. وتعتبر أنه من الأولى لأطفالنا أن ينشَّؤوا بمعايير خاصة
بالمجتمع المحلي بدلا من اكتساب ثقافة ولغة هجينة، مشيرة إلى أن عاملات المنازل
يأتون من بيئات فقيرة اجتماعيا وثقافيا ويلجؤون إلى طقوس السحر والشعوذة على
الأبناء، كما أن لديهم بعض المعتقدات المرعبة كاستخدام الفضلات والأمور غير الصحية
لوضعها في طعام الأطفال والأسرة لكسب محبتهم، وما يؤكد ذلك ما نسمعه من حوادث شنيعة
ترتكب من قبل الخادمات بحق الأطفال في عدد كبير من الدول الخليجية