جريدة
الشرق - الأربعاء 28 محرم 1447هـ - 23 يوليو 2025
جهود
قطر لمكافحة التصحر... رؤية شاملة لحماية البيئة وتعزيز الموارد
الدوحة - قنا
تولي دولة قطر أهمية كبيرة للسياسات
البيئية وتبني آليات مستدامة لحماية الموارد الطبيعية، وتحسين إدارة الأراضي،
وتعزيز قدرة المجتمع على الصمود أمام تحديات التصحر والجفاف، عبر تنظيم استخدام
الأراضي وزيادة عملية التشجير، واستخدام النباتات المحلية التي تسهم في تحسين خصوبة
التربة والحد من انجرافها، وتطبيق تقنيات زراعية مستدامة تعزز كفاءة استخدام
الموارد المائية وتزيد من الإنتاجية.
وبحسب توقعات منظمة الأمم المتحدة (UN)، فإن الجفاف سيؤثر بحلول عام 2050 على أكثر
من ثلاثة أرباع سكان العالم وهو ما يزيد من مساحات التصحر، ومن هنا تبذل دولة قطر
جهودا جبارة من أجل مواجهة هذه التحديات، ووقف تدهور الأراضي، عبر تشجيع مشاريع
الاستصلاح الزراعي، ضمن رؤية مستقبلية لتحويل الصحراء إلى حدائق ممتدة، وتعزيز
التنوع البيولوجي، والاستفادة من المياه المعالجة في الري، وتحسين جودة الهواء،
وزيادة الرقعة الخضراء، وتقليل انبعاثات الغازات.
والتزاماً من دولة قطر بالتعهدات الدولية خلال اتفاق باريس بشأن خفض نسبة انبعاثات
الكربون الذي تم تبنيه عام 2015، فقد سبق وأن أطلقت وزارة البيئة والتغير المناخي
"مبادرة زراعة المليون شجرة" والتي تسعى من خلالها دولة قطر لزراعة 10 ملايين شجرة
بحلول عام 2030، نظرا لما للأشجار من أهمية خاصة في النظام البيئي وانعكاساتها على
صحة الإنسان وجودة الحياة، وتعزيزا لمبادراتها في مجال الحد من التصحر وآثار تغير
المناخ وجهود الاستدامة البيئية.
وتتضمن خطة العمل أن المبادرة مفتوحة لكافة أفراد المجتمع والمؤسسات والجهات
الحكومية والقطاع الخاص والشركات والمدارس والمؤسسات التعليمية، والمراكز الشبابية
والأندية الرياضية، وعموم المواطنين والمقيمين، بحيث يتم التسجيل في المبادرة
بالدعم المالي أو العيني أو بالمشاركة العملية.
وتركز المبادرة على زراعة وغرس شتلات أشجار من البيئة المحلية القطرية، ومنها السدر
والغاف والسمر، في مواقع مختلفة تم اختيارها لهذا الغرض، مثل: المحاور الطرقية
الرئيسية والطرق الدائرية بالدوحة وطريق المجد وطريق الشمال وطريق الخور الساحلي
والمدن الصناعية ومواقع محطات ووحدات معالجة وتخزين مياه الصرف الصحي ومواقع تجميع
مياه الأمطار ومداخل المدن والبلديات بالإضافة إلى الحدائق العامة والمدارس
والمجمعات السكنية.
وشهدت جهود تنظيم كأس العالم FIFA قطر 2022 خطوة جبارة في هذا المسار، وكان للبيئة
حصة معتبرة من خطط دولة قطر الشاملة، فتكللت الجهود بمضاعفة عدد الحدائق العامة
لتعزيز المساحات الخضراء واستصلاح الأراضي الصحراوية عبر الدولة، فبلغ عدد الحدائق
148 حديقة بحلول عام 2022، بعدما كانت 56 في عام 2010، مسجلة بذلك نسبة نمو ضخمة
بلغت 164 في المئة، كما زادت المساحات الخضراء في البلاد إلى أكثر من 43 مليون متر
مربع وفقا لآخر الإحصاءات في العام 2022.
ومن أهم الجهود التي نالت إشادة عالمية في هذا الإطار، احتضان دولة قطر، معرض
"إكسبو الدوحة 2023" على مدى ستة شهور، وهو أول معرض دولي للبستنة من تصنيف A1 يقام
في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تحت شعار "صحراء خضراء، بيئة أفضل"، بهف تبني
الحلول المبتكرة والمستدامة ومكافحة التصحر، عبر أربع ركائز رئيسية، وهي الزراعة
الحديثة، والتكنولوجيا والابتكار، والوعي البيئي، والاستدامة.
وكان لافتا أن يقام الحدث العالمي لأول مرة في منطقة ذات مناخ صحراوي، ما شكل فرصة
مهمة لاسيما للبلدان الصحراوية الحارة وخاصة في منطقة الشرق الأوسط، لمواجهة
التحديات التي تواجهها في مجال التصحر والاستدامة، من خلال اقتراح حلول لتعزيز حياة
خضراء مزدهرة في الصحراء وإرساء بيئة من التعاون والشراكة في أفق هذا الحدث
العالمي.
واحتضنت "حدائق البدع" الفسيحة ذات المناظر الخلابة، على مساحة 1.7 مليون متر مربع،
ما يقرب من 79 دولة، ومنظمة غير حكومية، وممثلين عن كيانات أخرى، وحضره أكثر من
ثلاثة ملايين مشارك عبر برامج موسعة على مدار 179 يوما، عكست التزام دولة قطر
الثابت بالاستدامة، ودمج تكنولوجيا الواقع الافتراضي المتقدمة من أجل تحقيق تجربة
ثرية ومتطورة.
وسلط المعرض العالمي الضوء على مشاكل وتحديات جمة ينبغي التصدي لها، ومن أبرزها
التصحر والحفاظ على التربة الخصبة، والأمن الغذائي من خلال تعزيز الزراعة المستدامة
وتطوير الأساليب الحديثة في إنتاج الغذاء، وأهمية التنوع البيولوجي والحفاظ على
النباتات، والاستدامة البيئية والتغير المناخ، بجانب تعزيز الابتكارات والتكنولوجيا
في مجال البستنة والزراعة المستدامة.
وتتواصل جهود دولة قطر البيئية في المحافل الإقليمية والدولية، فأمام مؤتمر الأطراف
في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر /كوب 16/ في السعودية خلال ديسمبر 2024،
طرحت دولة قطر رؤيتها لإعادة تأهيل الأراضي ومكافحة التصحر، وأكد سعادة السيد
عبدالعزيز بن أحمد بن عبدالله آل محمود، وكيل وزارة البيئة والتغير المناخي، أن
ظاهرة التصحر أصبحت تمثل تهديدا مباشرا للموارد الطبيعية، والأمن الغذائي، واستدامة
الحياة على كوكب الأرض، مطالبا بضرورة توحيد جهود الحكومات، والمنظمات الدولية،
لتطوير حلول مبتكرة ومستدامة ترتكز على التوازن البيئي.
وبين سعادته أن دولة قطر حرصت على تنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، من
خلال اعتماد خطة استراتيجية وطنية تهدف إلى مواجهة تحديات التصحر وتعزيز الاستدامة
البيئية، بالإضافة إلى إطلاق استراتيجية التنمية الوطنية الثالثة "2024-2030"، التي
تمثل المرحلة الأخيرة لتحقيق أهداف رؤية قطر الوطنية 2030، مشيرا إلى أن
الاستراتيجية شملت برامج ومبادرات متكاملة لمكافحة التصحر وحماية الموارد الطبيعية.
وأشار سعادته إلى أن قطر تعمل حاليا على تحديث الخطة الاستراتيجية الوطنية للتصحر،
التي تتضمن سياسات متكاملة مستندة إلى أفضل الممارسات العالمية، لافتا إلى اعتماد
قطر لاتفاقيات "ريو" كإطار مرجعي لجهودها الوطنية، بهدف حماية نظمها البيئية،
وتعزيز الإدارة المستدامة لأراضيها، وتطوير الاقتصاد الأخضر، والحفاظ على الموارد
الطبيعية للأجيال القادمة.
ونتيجة لهذه الخطوات الفعالة في تعزيز الاستدامة ومكافحة التصحر، ارتفع نصيب الفرد
من المساحة الخضراء في الدولة إلى 16 مترا مربعا عام 2022، بعدما كان أقل من متر
مربع للفرد في العام 2010، بزيادة قدرها 16 ضعفا.
وكذلك تستثمر قطر كافة الإمكانات من أجل استصلاح الأراضي لتحقيق الاكتفاء الذاتي من
العديد من المنتجات الزراعية، ومواجهة التحديات، وأبرزها تغيير طبيعة التربة
الصحراوية ومدها بالعناصر كالحديد والنحاس والمنغنيز والمغنيسيوم وغيرها من العناصر
المهمة للتربة، بالإضافة إلى الأسمدة ومواجهة صعوبات التقلبات المناخية القاسية
للمنطقة الخليجية.
وبالتالي، فإن خطوات تحقيق الاستدامة ومكافحة التصحر تساهم بدورها في تحقيق الأمن
الغذائي للدولة، وهو الهدف الذي تعمل دولة قطر على تحقيقه وتخصص له كافة الآليات
والإمكانات، ما يمثل فرصة مهمة للعاملين بالمجال لتطوير عملهم والاعتماد على
الابتكارات التكنولوجية المتطورة.
وجاء معرض قطر الزراعي الدولي بنسخته الثانية عشرة الذي انعقد خلال (4-8 فبراير
2025) في الحي الثقافي كتارا، بمشاركة 29 دولة، ليضع لبنة مهمة في صرح الجهود
القطرية البيئية والبلدية، والذي تم تخصيصه لتعزيز التقنيات الزراعية، ودعم
الاستدامة، إضافة إلى الشراكات الدولية، بهدف دفع الابتكار والاستثمار في قطاع
الزراعة، بما يتماشى مع رؤية قطر الوطنية 2030 لتحقيق التنمية المستدامة.
وتتسق جهود وزارة البلدية مع وزارة البيئة والتغير المناخي، في المحافظة على تنوع
الحياة الفطرية وجودة الهواء ومكافحة التصحر، وتشير إحصاءاتها إلى أن أعداد الحدائق
العامة والمساحات الخضراء في دولة قطر حققت قفزات نوعية، مشددة على الأهمية التي
توليها بزيادة مساحة الرقعة الخضراء في مختلف مناطق الدولة، من خلال إنشاء وتطوير
الحدائق والمتنزهات العامة وزراعة الأشجار وإطلاق المبادرات الوطنية، مثل مبادرة
زراعة مليون شجرة ومبادرة زراعة عشرة ملايين شجرة.
وأوضحت وزارة البلدية أن الهدف من تلك المبادرات يأتي للارتقاء بجودة الحياة في
المدن، والتي أسهمت في حصول جميع المدن القطرية الثماني على لقب مدينة صحية من
منظمة الصحة العالمية، وكذلك انضمام سبع مدن قطرية لشبكة اليونسكو العالمية لمدن
التعلم.
وكشفت الوزارة عن عدة مبادرات منجزة لزراعة الأشجار في دولة قطر؛ إذ حققت مبادرة
مليون شجرة خلال الفترة (2019 / 2022) زراعة مليون شتلة أشجار، مشيرة إلى أن مبادرة
عشرة ملايين شجرة (2023 / 2030) أثمرت زراعة 320 ألف شتلة أشجار حتى عام 2024.
ولضمان حماية الحياة الفطرية والمساحات الخضراء ومنع زحف التصحر، تضع القوانيين
القطرية ضوابط وإجراءات احترازية معتمدة، لتوثيق المخالفات وضعف التدابير اللازمة
للحد من الإضرار بالبيئة، الأمر الذي يُعد انتهاكا لأحكام قانون حماية البيئة رقم
(30) لسنة 2002. وتشدد وزارة البيئة على المسؤولية المشتركة لحماية البيئة بين جميع
شرائح المجتمع القطري، والتي تستوجب تضافر جهود الجميع من أجل مستقبل صحي وآمن
للأجيال القادمة.

الدستور الدائم لدولة قطر
مرسوم بقانون رقم (30) لسنة 2002 بإصدار قانون حماية البيئة
قطر تدعو المجتمع الدولي لتجديد التزامه بمكافحة التصحر