الوطن - الإثنين28/7/2008
م العدد4712
د. مبارك بن ناصر الهاجري:
الدستورية العليا استكمال لدولة المؤسسات والقانون
- حوار ـ حبشي رشدي:
حتى القوانين التي تنظم شؤون الحياة تنشأ لها رقابة تسمى الرقابة الدستورية، فالقوانين
هي رحيق العدل وروحه والرقابة الدستورية هي التي تضمن توظيفا سليما ومنقحا لهذه القوانين
لتكون من سلالة الدستور الذي هو الجد الاكبر لكل القوانين المنظمة لمناشط الحياة كافة.
ومن ذلك فلا بد ان تكون كل القوانين محققة للدستور بوضوح حاملة غاياته بانسجام وتواؤم
مع افكاره، ومن هنا تأتي اهمية انشاء المحكمة الدستورية العليا التي هي بمثابة رقابة
دستورية للقوانين، هذا الموضوع المهم والذي يعتبر استكمالا للمؤسسات الدستورية في قطر
تناوله د. مبارك بن ناصر بن حباب الهاجري رئيس مركز الدراسات القانونية والقضائية والقاضي
بمحكمة التمييز في دراسة بعنوان «الرقابة القضائية على دستورية القوانين في دول مجلس
التعاون ـ دراسة مقارنة»، وحصل بمقتضاها على درجة الدكتوراه بعد ان نوقشت في 14 يوليو
الجاري بقاعة المؤتمرات بكلية الحقوق بجامعة القاهرة.
والحوار التالي معه توضيحا لموضوع الدراسة، ومناقشة لافكارها تبيانا للثراء التشريعي
الذي تحظى به الدولة وايضا اطلالة على النتائج التي توصلت اليها ومن ثم التوصيات التي
انبثقت عنها والصعوبات التي واجهتها، وفيما يلي التفاصيل:
- الرقابة الدستورية اصطلاح تعنونت به دراستك للدكتوراه الا يحتاج ذلك الى شرح يضع
النقاط فوق حروف وعي قانوني يحتاج دائما الى تثقيف وتوعية؟
ـ الدول تنظم نفسها عادة في اطار الدستور الذي يعتبر كوثيقة تنظم حياة الدولة بصفة
عامة وتحدد الالتزامات والواجبات ان للافراد او المؤسسات والاجهزة المختلفة بالدولة
وهذه الوثيقة «الدستور» ملزمة للجميع فهي تلزم الدولة كما تلزم الافراد فهي بمثابة
عقد بين الدولة وافراد المجتمع توضح وتبين الحقوق والواجبات والالتزامات كما ان هذه
الوثيقة الدستور تحتاج الى حماية.
- ماذا تقصد بالحماية؟
ـ الحماية هنا يقصد بها الا تخرقها الدولة ولا يخرقها الافراد فالدستور يحوي وجوه الاتفاق
والحقوق والواجبات ومن ثم فهناك آليات عديدة لحماية هذه الوثيقة.
- وما هي هذه الآليات؟
من ضمن هذه الآليات الرأي العام الصحافة ووسائط الاعلام قاطبة، اجهزة الديمقراطية والمجتمع
ذاته، علما ان هناك دولا لا يوجد بها آليات محددة للرقابة القضائية ولكن شعوبها المتحضرة
تمثل هذه الرقابة تماما كما هو الحال في بريطانيا حيث يوجد بها رأي عام قوي ومؤثر وتحسب
له الحكومات حسابا غير انه توجد وسيلة اخرى اسمها الرقابة القضائية فهي تراقب دستورية
القوانين.
- ماذا يعني ان تراقب الرقابة القضائية دستورية القوانين؟
- يقصد بالرقابة القضائية على دستورية القوانين الا تخرج القوانين واللوائح التي تصدرها
السلطة التشريعية أو السلطة التنفيذية مخالفة لما تم الاتفاق عليه في الوثيقة الدستورية
الملزمة للجميع.
- وما الصيغةالتي تأخذ مثلا هذه المخالفات؟
ـ مثال ان تغقل القوانين الحريات، أو تنظيم اشياء غير متفق عليها كما وردت بالدستور،
كأن مثلا تفرض ضرائب بطريقة غير مشروعة، أي تتصرف بطرق تخالف هذا العقد، أو الوثيقة
الدستورية الملزمة للجميع وتخالف الافكار الواردة بالدستور، فلا توجد نصوص، ولكن توجد
بالدستور افكار عامة، مثل الحريات العامة والتي تشمل حرية التنقل، وحرية التعبير ..
إلخ، ومن ذلك فالرقابة الادارية هي احدى الآليات لحماية هذا الدستور.
- وكيف نشأت فكرة موضوع دراستك للحصول على درجة الدكتوراة؟
- فكرت انه بعد ان صدر الدستور القطري ان اضع امام الباحثين والدارسين دراسة تفيد الدولة،
وايضا تفيد المجتمع، وكان ذلك مثل صدور قانون المحكمة الدستورية، فجئت بدراسات مقارنة
من عدد كبير من الدول التي تمارس وتطبق هذه الرقابة الدستورية .. فالرقابة القضائية
ما كانت على شكل معين، بل لها عدة صور.
- مثل ماذا؟
- يوجد في دول مثلا رقابة مركزية، حيث تضع الرقابة في محكمة تسمى المحكمة الدستورية،
وفي دول اخرى تطبق رقابة دستورية لامركزية حيث تضمنها في محاكم، حيث يكون من حق المحاكم
فيها ان تراقب شرعية هذه القوانين واتفاقها مع الدستور، فالرقابة الدستورية كما اسلفت
هي رقابة اداء السلطة التشريعية في اصدارها لقوانين تتفق مع الدستور، كما انني عرضت
في دراستي للدكتوراه صورة اخرى لهذه الرقابة القضائية في دول مختلفة، منها مثلا الرقابة
السياسية الموجودة في فرنسا، ودول بالمغرب العربي، فضلا عن تجارب وتطبيقات اخرى للرقابة
القضائية كان من المفيد التطرق اليها واستعراضها في هذه الدراسة سواء للباحث القانوني
أو القاضي.
- اذن اقتضت هذه الدراسة الاطلاع على تطبيقات مختلفة للرقابة القضائية؟
- نعم للتعرف على طرق وآليات مختلفة لهذه الرقابة، فالدراسة تحتوى على تجارب عديدة
ومهمة سواء للرقابة القضائية او للرقابة السياسية.
وقارنت كل ذلك بما ورد في الدستور القطري وقانون المحكمة الدستورية القطري واحدث التشريعات
القطرية وحتى القانون رقم 12 لسنة 2008 والذي صدر منذ شهرين تقريبا ويقضي بانشاء المحكمة
الدستورية فقد كانت من حظي ان يصدر هذا القانون قبيل انتهائي من الدراسة فضمنتها اياه
فقبيل ان تناقش رسالة الدكتوراه ادخلت هذا القانون فيها.
- هذا يلقي الضوء على اهمية نشوء المحكمة الدستورية في قطر؟
- نعم فهذه المحكمة آلية لرقابة القوانين الصادرة فهي ستراقب اداء السلطة التشريعية
فلا تصدر قانونا يخالف الدستور فمثلا اذا اصدرت السلطة التشريعية قانونا مخالفا سيطبق
على شخص معين فيحق لهذا الشخص ان يدفع امام المحكمة الدستورية بعدم قانونية هذا النص
القانوني فيطالب المحكمة الدستورية بمقتضى ذلك الا تطبق عليه هذا النص اذا ثبت انه
مخالف للدستور وهنا المحكمة تبحث الامر وترى اذا ما كان دفع هذا الشخص جديا من عدمه
فالمحكمة الدستورية تراقب اذا ما كان النص القانوني لا يتقاطع مع الدستور او يتقاطع
واذا كان القانون لا يتفق مع الدستور فانها المحكمة الدستورية تلغيه وتعيده الى السلطة
التشريعية.
- لنعود الى موضوع الدراسة هل من توضيحات اضافية؟
- حاولت هذه الدراسة ان ترصد لنشأة وتطور القضاء الدستوري في دول مجلس التعاون الخليجي
وبيان حدود ممارسة الرقابة على دستورية القوانين واللوائح دون اهمال التعرض لنشأة الرقابة
في العديد من الدول الاخرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الاميركية وجمهورية مصر العربية
وذلك بغرض الوقوف على المحيط المجاور لدولة قطر والتي لم ينشأ القضاء الدستوري فيها
الا حديثا جدا في عام 2007 وعلى مستوى النصوص فقط اذ صدر القانون رقم 6 لسنة 2007 بشأن
الفصل في المنازعات الدستورية ونص فيه على ان يعمل به اعتبارا من الاول من يناير 2008
الا انه الغي قبل ان تطبق نصوصه على ارض الواقع وحل محله القانون رقم 12 لسنة 2008
بانشاء المحكمة الدستورية العليا وقد كان هدفنا من كل ذلك وضع التجارب الاخرى في هذا
المجال امام القاضي الدستوري القطري حتى تنشأ الرقابة الدستورية كبيرة منذ البداية
متخطية كل العقبات والهنات التي صادفت او وقع فيها غيره من القضاة الدستوريين في الدول
الاخرى.
- وما هي اهم النتائج التي توصلت اليها هذه الدراسة؟
- هناك اربع نتائج مهمة توصلت اليها هذه الدراسة واولها انه اذا كانت هذه الدراسة قد
بدأ الاعداد لها والكتابة بها قبل اصدار المشروع القطري للقانون رقم 6 لسنة 2007 بشأن
الفصل في المنازعات الدستورية والذي الغي وحل محله القانون رقم 12 لسنة 2008 بإنشاء
المحكمة الدستورية العليا مما جعلنا نتعرض للرقابة السياسية ومقارنتها بالرقابة القضائية
فإنها اي الدراسة استطاعت ان ترصد افضلية الرقابة القضائية على دستورية القوانين من
الرقابة السياسية سواء من ناحية اسلوب تحريكها او من ناحية الهيئة القائمة على ممارستها
فمن ناحية اسلوب تحريك الرقابة السياسية فقد عرضنا لذلك وعرفنا ان تحريك هذا النوع
من الرقابة يكون بين ايدي هيئات سياسية قد تقعد بها مصالح خاصة عن ان ترفع القانون
الى هيئة الرقابة فينفذ في النظام القانوني بالرغم من شبهات عدم الدستورية وهذا ما
لا يحدث في نظام الرقابة القضائية حيث تحرك الرقابة في الغالب عن طريق الدفع الفرعي
امام احدى المحاكم ومن ناحية الهيئة القائمة على تأمين الرقابة السياسية فإن ذلك يتم
عادة عن طريق هيئة مشكلة تشكيلا سياسيا خالصا او مختلطا عن طريق هيئات سياسية ايضا
مما لا يضمن معه حيدتها في مباشرتها للمهمة وهذا لا يوجد في نظام الرقابة القضائية
التي تمارس عن طريق هيئة قضائية خالصة مما يضمن لها اكبر قدر من الحيدة والنزاهة.
فمن هذا الجانب استخلصت الدراسة ان الرقابة القضائية تتفوق على الرقابة السياسية.
- وما ثاني هذه النتائج التي توصلت اليها هذه الدراسة؟
- خلصت الدراسة الى ان عملية الرقابة على دستورية القوانين واللوائح لا تعد عملية قانونية
خالصة بل هي عملية قانونية تختلط بها اعتبارات سياسية وان الرقابة الناجحة هي التي
تأخذ في الحسبان مثل هذه الاعتبارات السياسية فالذي لا شك فيه ان عملية التشريع عن
طريق المجلس النيابي ليست عملية قانونية فقط بل هي عملية قانونية سياسية لان هذا المجلس
اذ يلتزم باحترام الآليات الدستورية لعملية التشريع فإنه يتدخل ايضا في مختلف جوانب
الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية ويتولى هذه المهمة في اطار كبير
من الملاءمات والمواءمات السياسية ولكي تنجح الرقابة القضائية على دستورية القوانين
واللوائح وتؤتي نتائجها فلابد للقاضي الدستوري ان يدخل هذه الموازنات في اعتباره عند
الحكم على النص التشريعي او اللائحي في ضوء النص الدستوري وان يحاول الوقوف على الجوانب
السياسية لكل من السلطتين التأسيسية والتشريعية.
فحيث تقف الرقابة القضائية عند الاعتبارات القانونية ولا تدخل الاعتبارات السياسية
المغلفة لرقابة الدستورية في حسابها فان هذه المسلك سيؤدي يقينا الى ضعف الرقابة القضائية
والى احتمال كبير للصدام بين هيئة الرقابة والسلطة التشريعية.
- وما هي النتيجة الثالثة للدراسة؟
- رصدت الدراسة اختلاف اثر الحكم الصادر عن هيئة الرقابة على الدستورية في النظام الاميركي
عنه في الانظمة العربية اذ ان المحكمة العليا الاميركية او اي محكمة اخرى تقتصر عند
الوصول الى عدم دستورية القانون على الامتناع عن تطبيقه على المنازعة المعروضة فقط
دون المساس بقوة نفاذه في النظام القانوني للدولة فلا يؤدي الحكم الى سقوطه بل يظل
ساريا صالحا للتطبيق على المنازعات الاخرى ولا يلزم حتى المحكمة التي اصدرت الحكم بإعمال
اثره في القضايا الاخرى التي ستعرض لاحقا وعلى عكس هذا فإن الحكم بعدم الدستورية في
الانظمة القانونية العربية التي تبنت نظام الرقابة القضائية على الدستورية يؤدي الى
تجريد النص المقضي بعدم دستوريته من قوة نفاذه القانونية، فلا يطبق بعد ذلك في الواقع
العملي ويصبح والعدم سواء، وان كان يظل قائما قانونيا إلى ان تتدخل السلطة التي اصدرته
بإلغائه أو تعديله إعمالا للحكم بعدم الدستورية.
ولم يخرج المشرع القطري في القانون رقم (6) لسنة 2007 بشأن الفصل في المنازعات الدستورية
على هذه القاعدة والمطبقة في بقية الدول العربية الأخرى التي نظمت الرقابة القضائية
على الدستورية سواء في القانون رقم (6) لسنة 2007 الملغي أو القانون الحالي رقم (12)
لسنة 2008 بإنشاء المحكمة الدستورية العليا.
-وما هي النتيجة الرابعة والأخيرة؟
- توصلت الدراسة الى بعض الفروق فيما يتعلق بالنطاق الزمني للحكم بعدم الدستورية في
الدول العربية محل المقارنة، فاتجهت بعضها مثل مملكة البحرين الى إعمال الأثر المباشر
للحكم بعدم الدستورية، فلا يكون للحكم بعدم الدستورية أثر على تطبيقه إلا اعتبارا من
التاريخ اللاحق على الحكم بحيث يظل قائما يحكم الوقائع التي طبق عليها في الفترة من
إصداره الى تاريخ الحكم بدعم الدستورية. واتجهت بعضها مثل جمهورية مصر العربية الى
تبني الأثر المباشر في بعض المنازعات دون غيرها مثل المنازعات الضريبية، مع اعطاء المحكمة
سلطة في ترتيب أثر الحكم بعدم الدستورية في غير هذا النطاق. وتبنت العديد منها الأثر
الرجعي المقيد مثل ما هو حادث في قطر وفي مصر، بحيث يكون للحكم أثر رجعي كقاعدة عامة
مخففة، بمنح القاضي الدستوري سلطة تحديد تاريخ آخر لسريان الحكم بعدم الدستورية.
وبعض الدول العربية الأخرى أخذت بقاعدة الأثر الرجعي المطلق للأحكام بعدم الدستورية
مثل الكويت والإمارات العربية المتحدة مع تقرير بعض الاستثناءات الضرورية للنظام القانوني
في نطاق الأحكام بعدم دستورية نصوص عقابية وفي نطاق الأوضاع التي استقرت بالتقادم أو
بأحكام قضائية باتة.
وقد بينا في حينه إيجابيات وسلبيات كل اتجاه من هذه الاتجاهات وأبدينا رأينا بصددها.
وأشارت الدراسة الى العديد من النتائج الأخرى والتي عرضنا لها في موضعها.
-من الطبيعي ان تقود هذه النتائج التي توصلت اليها الدراسة الى توصيات تترجم هذه النتائج
وتفيد منها، فما هي أهم هذه التوصيات؟
- من خلال دراستنا المقارنة للرقابة الدستورية في دول الخليج العربية وفي النظامين
الأميركي والمصري، يمكننا ان نقدم العديد من التوصيات الهامة بالنسبة لدولة قطر وذلك
في ضوء القانون رقم (12) لسنة 2008 بإنشاء المحكمة الدستورية العليا.
وفي صدارة هذه التوصيات الحاجة الى ادخال تعديل تشريعي يسمح بإيجاد هيئة مفوضين تابعة
للمحكمة الدستورية العليا تتولى تحضير الدعوى الدستورية وإيداع تقرير تحدد فيه المسائل
الدستورية والقانونية ورأيها فيه مسببا.. فالقضية الدستورية تمر بالعديد من المراحل
الدقيقة وتتطلب العديد من الإجراءات التي تتولاها هذه الهيئة مثل الاتصال بالجهات ذات
الشأن في موضوع القضية للحصول على ما يلزم من بيانات أو أوراق أو دعوتهم لاستيضاحهم
بشأن ما ترى من وقائع أو تكليفهم بتقديم مستندات ومذكرات تكميلية وغير ذلك من إجراءات
التحقيق. كما يحضر أحد أعضاء هذه الهيئة جلسات الدائرة الدستورية.
ومثل هذا الحل الذي ننادي به يعززه - إضافة الى ما سبق - عدم تفرغ أعضاء الدائرة الدستورية
على ما ينص القانون بشكله الحالي، بالرغم من دقة وصعوبة البحث في المسائل الدستورية
بشكل يتطلب التأمل العميق والتفكير المطول والبحث الدؤوب وهو ما قد لا يتوافر لأعضاء
هذه الدائرة في ظل حكم القانون بعدم تفرغهم.
فبالرغم من أهمية هيئة المفوضين إلا أن قانون المحكمة الدستورية العليا لم يأخذ بنظامها،
وإن كان يمكن الوصول إلى هذا الحل بالاستناد إلى نص الفقرة الثانية من المادة (3) التي
تقرر مبدأ أنه «يجوز بقرار من الجمعية العامة للمحكمة انشاء أجهزة فنية أو إدارية لمعاونة
المحكمة في ممارسة اختصاصاتها»، إذ من خلال هذا النص يمكن للجمعية العامة انشاء هيئة
مفوضين بالمحكمة وتحديد نظامها واختصاصاتها وإن كنا نرى ضرورة ان يأتي النص عليها في
صلب القانون وننادي من أجل ذلك بتعديل تشريعي.
- وما هي أيضا التوصيات الأخرى؟
- توصي الدراسة بضرورة تعديل الفقرة الأولى من المادة (28) من القانون رقم (12) لسنة
2008 بإنشاء المحكمة الدستورية العليا والتي تتحدث عن النطاق الزمني للحكم بعدم الدستورية،
إذ تعلن أنه «يترتب على الحكم بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة عدم جواز تطبيقه من
اليوم التالي لتاريخ نشره»، فهذه الصيغة تتسم بالغموض ولا تحسم موقف المشرع من مسألة
النطاق الزمني للحكم بعدم الدستورية ومدى سريانه بأثر رجعي أو بأثر مباشر.
فهذه الصيغة تماثل تلك المكرسة بواسطة المشرع المصري في المادة 49 من قانون المحكمة
الدستورية العليا رقم 48 لسنة 1979 والتي أثارت خلافات فقهية كثيرة حول مضمونها وقادت
لتعديل مشكوك في دستوريته بالقرار بقانون رقم 168 لسنة 1998 والذي لم يحسم هو الآخر
هذه المسألة الهامة، فبسبب غموض هذه الصيغة، والتي كرسها المشرع القطري بحرفيتها، تفرق
الفقه على ثلاثة آراء بين مؤيد للأثر المباشر ومؤيد للأثر الرجعي ومفرق بين ما هو محل
للتقاضي قبل حكم المحكمة بعدم الدستورية وهو غير محل للتقاضي، وأيدت المحكمة الرأي
المنادي بالأثر الرجعي للحكم، وبالرغم من تعديل عام 1998، فإن المشرع لم يحسم هذه المسألة
الهامة المتعلقة برجعية الحكم الصادر عن المحكمة الدستورية بسبب احتفاظه بذات الصيغة
التي كانت موجودة قبل التعديل.
وخروجا من هذا التشعب الفقهي في مسألة حساسة كمسألة رجعية أو عدم رجعية الحكم الصادر
عن المحكمة الدستورية بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة، ولأن النص المشار إليه لم
يتبن صيغة محددة واضحة تحدد النطاق الزمني للحكم بعدم دستورية. فالآثار التي يرتبها
الحكم الصادر بعدم الدستورية لا يمكن فصلها عن الأوضاع السابقة عليها بعد ان مسها النص
المطعون فيه في بنيانها، فهذا النص لا ينفصل عما يكون قد أصابه من عيوب عند إقراره
أو إصداره، فلا تكون عيوبه طارئة عارضة عليه، بل كامنة فيه لصيقة به منذ ميلاده متصلة
به منذ إصداره، والحكم بعدم الدستورية لا يفعل سوى ان يكشف عن هذه العيوب ويثبتها ولا
ينشئها.
ولهذه المبررات، نرى ان هذا التعديل يعد ضروريا تفاديا لصعوبات واختلافات عملية تؤثر
في قدرة وكفاءة القضاء الدستوري الناشئ.
كما توصي الدراسة كذلك بضرورة تعديل نهاية الفقرة الأولى من المادة (28) من القانون
رقم (12) لسنة 2008 والتي تعلن عدم جواز تطبيق الحكم الصادر بعدم الدستورية من اليوم
التالي لتاريخ نشره «ما لم يحدد الحكم لذلك تاريخا آخر».
فعبارة «تاريخا آخر» الواردة في هذه الفقرة يرتبط تفسيرها وتحديد معناها بالمضمون الذي
نعطيه لاول الفقرة الذي يعلن ان الحكم بعدم دستورية النص لا يجوز تطبيقه من اليوم التالي
لتاريخ نشره، فما هو المقصود بعبارة «تاريخا آخر»؟ هل يقصد بها الأثر الفوري أو المستقبلي
أم يقصد بها الاثر الرجعي؟ وعلى ذلك، فإذا قلنا ان تفسير عبارة عدم جواز تطبيق النص
المقضي بعدم دستوريته من اليوم التالي لتاريخ نشر الحكم تعني الاثر المباشر للحكم،
فإن عبارة تاريخا آخر ستفسر على أن المقصود بها الأثر الرجعي للحكم، وإذا ما قلنا أن
تفسير عبارة «عدم جواز تطبيق النص المقضي بعدم دستوريته من اليوم التالي لتاريخ نشر
الحكم» تعني الاثر الرجعي للحكم، فإن عبارة تاريخا آخر ستفسر على أن المقصود بها الاثر
أو التاريخ المستقبلي أو الفوري للحكم.
وعلى ذلك، فإن عبارة تاريخا آخر تضيف غموضا جديدا على بداية الفقرة فوق ما سبق لنا
ذكره في البند السابق.
هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى فإن قيام المحكمة الدستورية العليا بتجديد تاريخ آخر
لسريان الحكم بعدم الدستورية لا يعني سوى إقحام هذه المحكمة في عمل لا يدخل في وظيفتها
القضائية المتمثلة في مراقبة دستورية القوانين واللوائح، فمثل هذه الصيغة ستدفع المحكمة
الدستورية العليا بلا شك إلى أن تمارس عملا تشريعياً أو سياسياً عن طريق قيامها بوزن
وتقدير الملاءمات والظروف وغيرها من الأمور التي ترتبط بعملية التشريع ذاتها كعملية
سياسية ودستورية، كما ان استعمال هذه المكنة من قبل المحكمة الدستورية العليا سيؤدي
إلى الإخلال بمبدأ المساواة بين المخاطبين بالنص المقضي بعدم دستوريته بحسب ما إذا
كان هذا النص قد طبق عليهم قبل أو بعد التاريخ الذي ستحدده المحكمة لسريان الحكم بعدم
الدستورية.
ويضاف إلى كل ما سبق، ان استعمال المحكمة الدستورية العليا لهذه الرخصة سيؤدي حال إعمال
الأثر المباشر للحكم بعدم الدستورية، إلى أن يكون للنص الواحد المقضي بعدم دستوريته
مجالان قانونيان متميزان، فيسري بكامل قوته حاكما للعلاقات السابقة على التاريخ الذي
حدده الحكم دون غيرها من العلاقات اللاحقة لهذا التاريخ، وهو ما لا يمكن القول به أو
إقراره، فكأن الحكم يقر بإمكانية خرق أحكام الدستور في الفترة السابقة على التاريخ
المحدد لسريان اثر الحكم.
فمثل هذه النتيجة لا يمكن افتراضها وتحتاج إلى النص عليها في الدستور، ومن هنا فإننا
نشك كثيرا في دستورية هذه الجزئية من الفقرة الأولى من المادة (28) من القانون رقم
(12) لسنة 2008 بإنشاء المحكمة الدستورية العليا.
ولهذا، فإننا ننادي بتعديل هذه الصيغة الواردة في المادة (28) من قانون انشاء المحكمة
الدستورية العليا وإدراج صيغة اخرى واضحة محددة تتبنى الأثر الرجعي بعدم الدستورية
تفاديا للانتقادات المشار اليها آنفا نزولا على الهدف الحقيقي من انشاء الرقابة القضائية
على دستورية القوانين.
- أيضا ما هي التوصيات الأخرى التي أوصت بها الدراسة؟
- توصي الدراسة كذلك بإدخال تعديل تشريعي على نص المادة (14) من القانون الخاص بالتصدي
يحدد من جانب المقصود باتصال النص المتصدى له بالنزاع المطروح على المحكمة وكذلك تحديد
مفهوم الاختصاص الذي ستتحدد بمناسبته مباشرته ويحدد من جانب آخر القواعد الاجرائية
التي ستتبعها المحكمة اذا قررت اعمال رخصة التصدي الى ان تفصل في دستورية النص المتصدي
له.
فدون ادخال هذه التعديلات نرى ان النص الحالي لا يسعف المحكمة في اعمال رخصة التصدي
وبخاصة من ناحية الاجراءات التي ستتبع حال اعمال التصدي فالقانون المصري يشترط في هذا
الجانب ان تتبع المحكمة اجراءات تحضير الدعاوى الدستورية بشأن النصوص المتصدي لها وهو
حل نراه ملاءما للأخذ به في القانون القطري.
- ما أهم الصعوبات التي واجهتك في هذه الدراسة؟
- لأن الدراسة اعتمدت على مقارنات للرقابة الدستورية على القوانين في عدة دول فقد كان
في صدارة هذه الصعوبات نقص المراجع والدراسات السابقة وعدم وجود قضاء دستوري سابق يمكن
الرجوع اليه وخلو المكتبة القانونية اصلا من مثل هذه الدراسات القانونية.
- كم استغرقت مدة هذه الدراسة؟
- نحو اربع سنوات تقريبا.
- كان د.يحيى الجمل استاذ القانون العام بكلية الحقوق بجامعة القاهرة رئيسا للجنة مناقشة
هذه الدراسة ومشرفا عليها كيف تصف علاقتك به على امتداد اربع سنوات استغرقتها هذه الدراسة؟
- د.يحيى الجمل يعتبر الفقيه الدستوري الاول في الوطن العربي فهو شخصية قانونية معروفة
وغني عن ان اعرف به شخصيا ومن ضمن ادواره المهمة انه كان مستشارا للجنة وضع الدستور
القطري فقد كان الخبير الدستوري لهذه اللجنة وبصماته ظاهرة في صياغة الدستور القطري
وقد اخترت ان تكون رسالتي للدكتوراه باشرافه لعدة اعتبارات اولها انه الفقيه الدستوري
الاول في عالمنا العربي ولعلاقته بصياغة الدستور القطري ومشاركته في صياغته وعلى امتداد
السنوات الاربع التي استغرقتها الدراسة كنت حريصا على مقابلته بل واحيانا كانت هذه
المقابلات تتم خلال سفراته خارج مصر فكنت اذهب واسافر اليه في اي مكان اعرف انه موجود
به وكانت لملاحظاته المهمة على موضوع الدراسة ما اضاء الكثير من الموضوعات والنقاط.
إصدار
الدستور الدائم لدولة قطر
قانون
رقم (6) لسنة 2007 بشأن الفصل في المنازعات الدستورية
قانون
رقم (13) لسنة 1992 بتعديل بعض أحكام القانون رقم (13) لسنة 1971 بنظام المحاكم العدلية
قانون
رقم (29) لسنة 2005 بتعديل بعض أحكام القانون رقم (8) لسنة 2001 بإنشاء مركز الدراسات
القانونية والقضائية
مرسوم
بقانون رقم (21) لسنة 2006 بشأن المؤسسات الخاصة ذات النفع العام
قرار
أميري رقم (33) لسنة 2000 بشأن إجراءات إعداد التشريعات
قرار
أميري رقم (14) لسنة 1991 بشأن إجراءات إعداد التشريعات
قرار
أميري رقم (36) لسنة 2006 بتعديل أسلوب إدارة بعض الهيئات والمؤسسات العامة
قرار
أميري رقم (11) لسنة 1999 بتشكيل لجنة إعداد الدستور الدائم وتعيين اختصاصاتها
قرار
أميري رقم (57) لسنة 2005 بتعديل بعض أحكام القرار الأميري رقم (33) لسنة 2000 بشأن
إجراءات إعداد التشريعات
قرار
أميري رقم (17) لسنة 2008 بتعديل بعض أحكام القرار الأميري رقم (33) لسنة 2000 بشأن
إجراءات إعداد التشريعات
شبهة
عدم الدستورية تطارد بعض القوانين
مشروع
قانون بانشاء المحكمة الدستورية العليا
الأمير
يصدر قانون إنشاء المحكمة الدستورية العليا
مجلس
الوزراء يوافق علي إنشاء المحكمة الدستورية العليا
الشوري
يوافق علي قانون إنشاء المحكمة الدستورية العليا
إنشاء
لجنة تسيير الأعمال الإدارية لتنفيذ قانون المحكمة الدستورية العليا