جريدة العرب - 8077العدد
- الاحد 25 يوليو 2010 م - الموافق 213 شعبان 1431 هـ
حوار
حول الدستور (4)
مما هو معروف في الدراسات
القانونية الدستورية أن الدساتير نوعان من حيث طريقة أو كيفية تعديلها دساتير تسمى
مرنة تتم إجراءات تعديلها بنفس طريقة أو كيفية تعديل القوانين العادية، وأقرب مثال
على هذه الدساتير المرنة النظام الأساسي المؤقت المعدل لدولة قطر الصادر بتاريخ 19/4/1972.
حيث تنص المادة 67 منه الموجودة في الباب الخامس تحت عنوان أحكام عامة وانتقالية "يجوز
للأمير تنقيح النظام الأساسي بالتعديل أو الحذف أو الإضافة إذا ما رأى أن مصالح الدولة
العليا تتطلب مثل هذا التنقيح" وهذه الإجراءات هي نفسها الإجراءات المتبعة في إصدار
القوانين العادية حيث إن الأمير في النظام الأساسي المؤقت المعدل هو المخول بإصدار
جميع القوانين، أما مجلس الشورى في النظام الأساسي المؤقت فهو مجلس استشاري فقط وليس
تشريعياً.
والنوع الآخر من الدساتير دساتير جامدة لا يمكن ولا يجوز تعديله بنفس الطريقة أو الكيفية
التي تعدل بها التشريعات الأخرى ومثال الدساتير الجامدة الدستور الدائم لدولة قطر حيث
إن المادة 144 منه الموجودة في الباب الخامس تحت عنوان الأحكام الختامية تقول بالنص
"لكل من الأمير ولثلث أعضاء مجلس الشورى حق طلب تعديل مادة أو أكثر من هذا الدستور،
فإذا وافقت أغلبية أعضاء المجلس على التعديل من حيث المبدأ، ناقشه المجلس مادة مادة.
ويشترط لإقرار التعديل موافقة ثلثي أعضاء المجلس. ولا يسري التعديل إلا بعد تصديق الأمير
عليه ونشره في الجريدة الرسمية. وإذا رفض اقتراح طلب التعديل من حيث المبدأ أو من حيث
الموضوع فلا يجوز عرضه من جديد قبل مضي سنة على هذا الرفض" أي أن طلب التعديل يجب أن
يمر على خمس محطات قانونية واجبة وجوباً ملزماً قبل سريان هذا التعديل سواء كان هذا
التعديل المقصود منه مادة واحدة فقط أو أكثر من مادة من مواد الدستور الدائم لدولة
قطر، وهذا ما يجعله من الدساتير الجامدة حيث إن إجراءات تعديل مواده تختلف عن إجراءات
اقتراح وإصدار القوانين العادية المذكورة في الفصل الثالث تحت عنوان السلطة التشريعية
(المادة 105 والمادة 106 اللتان تشترطان خطوات قانونية معينة لإصدار القوانين العادية
تقل صرامة وشدة عن الإجراءات المذكورة في المادة 144 السابقة الذكر الخاصة بتعديل الدستور).
والجمود في الدساتير نوعان نسبي ومطلق، وهو يكون نسبيا إذا تطلب المشرع لطريقة تعديل
نصوصه إجراءات اشد صرامة من الطريقة التي تعدل بها القوانين العادية كما ذكرنا سابقا،
أما الجمود المطلق فيعني عدم جواز هذا التعديل حتى ولو اتبعت تلك الإجراءات الصارمة
سالفة الذكر.
والجمود المطلق في الدساتير له عدة صور منها الجمود المطلق الجزئي الدائم أي إذا كان
الجمود المطلق يسري على بعض المواد "جزئيا" في وثيقة الدستور بشكل "دائم" من مثل المادة
(145) في الدستور الدائم لدولة قطر الموجودة في الباب الخامس تحت عنوان الأحكام الختامية
التي تقول" "الأحكام الخاصة بحكم الدولة ووراثته لا يجوز طلب تعديلها" أي أن هذه الأحكام
الخاصة بحكم الدولة ووراثته جامدة جمودا مطلقاً دائماً لا يمكن طلب تعديلها في أي وقت
أو زمن حتى ولو اتبعت الإجراءات الصارمة المشترطة لتعديل نصوص الدساتير الجامدة.
والصور الأخرى للجمود المطلق في الدساتير، الجمود المطلق الكلي المؤقت فهو جمود مطلق
"كلي" أي أنه شامل جميع مواد الدستور كلها ولكنه "مؤقت" بوقت معين وزمن محدد إذا انتهى
هذا الوقت وانقضى هذا الزمن رجعت مواد الدستور الجامد إلى طبيعتها الأصلية وهي أنها
مواد وقواعد دستور جامد تحتاج عند تعديلها لإجراءات خاصة تختلف عن إجراءات تعديل القوانين
العادية وبذلك يزول الجمود المطلق "الكلي" المؤقت عنها حين انتهاء هذه المدة المذكورة
والمحددة في صلب وثيقة الدستور وأقرب مثال لذلك المادة (148) من الدستور الدائم الموجودة
في الفصل الخامس تحت عنوان الأحكام الختامية حيث تقول "لا يجوز طلب تعديل أي من مواد
هذا الدستور قبل مضي عشر سنوات من تاريخ العمل به" أي أن الدستور الدائم دستور جامد
مطلق كلي لمدة عشر سنوات لا يجوز تعديله بأي إجراء قانوني مهما كانت قوة هذا الإجراء
القانوني والهدف من هذا الحظر والمنع ثبات واستقرار مواد وقواعد الدستور الدائم لمدة
كافية من الوقت حتى نضمن استقرار الأوضاع الدستورية والقانونية المنظمة للدولة، حيث
إن مدة عشر سنوات ليست مدة طويلة في حياة الشعوب والدول تستدعي تغيير القواعد والقوانين
الدستورية قبل مضيها.
وفي الأخير هناك نوع من جمود الدساتير يطلق عليه الجمود المطلق الكلي الدائم وهذا النوع
مجمع على بطلانه لأنه ضد سنن التطور ويناقض طبيعة القانون التي تستدعي التعديل والتغيير
كل فترة من الزمن حتى يواكب ويتماشى مع تطور المجتمعات التي يهدف إلى تنظيمها وفوق
ذلك إن الجمود المطلق الكلي الدائم يريد إن يزاحم كتاب الله "القرآن الكريم " في مكانته
ومكانه الذي "لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد"، سورة فصلت
الآية (42)، ما أبعد الفرق بين الثرى والثريا، وصدق الشاعر حين قال:
يا ناطح الجبل الأشم برأسه
أشفق على الرأس لا تشفق على الجبل.
والسلام.
إصدار
الدستور الدائم لدولة قطر
الدولة
تعيد النظر في تشريعاتها بما يتواءم مع الدستور..